ثائر صالح
الفنتازيا التي كتبها موتسارت في عمره الصغير (تصنيف كوخل 397) هي عمل قصير للبيانو يستغرق حوالي خمس دقائق، لكنه أحد أكثر أعماله شعبية،
وغموضاً في نفس الوقت لأننا لا نعرف عنه الكثير من المعلومات المؤكدة: لم يُنشر في حياته، غير مكتمل، ولا يُعرف وقت تأليفه. انطلق الباحثون في تحديد سنة 1782 تأريخاً محتملاً لكتابته انطلاقاً من سماته وعلاقته بأعماله الأخرى التي ألفها في تلك الفترة، مثل مقدمة (فنتازيا) وفوغا عمل كوخل 394. وصل موتسارت فيينا سنة 1781 من زالتسبورغ مسقط رأسه، وانغمر في دراسة أعمال كبار مؤلفي عصر الباروك وبشكل خاص باخ فتأثر بها، وأخذ يؤلف أعمالاً تحمل سمات عصر الباروك، مستعملاً بعض الأشكال القديمة مثل الفنتازيا (وهو شكل ارتجالي حر تماماً) الذي يتبعه شكل الفوغا (شكل شديد التقنين مبني على تتابع الألحان) كالعادة المتبعة في موسيقى الباروك.
لم تصلنا مخطوطة للعمل بيد موتسارت. لكن انتشرت طبعة للفانتازيا تعود إلى سنة 1806، واعتمدها الموسيقيون لغاية سنة 1944، عندما عثروا على طبعة أقدم في 1804 دون أن تحتوي على الخانات العشر الأخيرة، فتيقنوا أنها ليست من كتابة موتسارت، بل من وضع شخص آخر، على الأرجح هو موسيقي ألماني اسمه أوغوست أيبرهارت مولر (1767 – 1817 أصبح منشد كنيسة توماس في لايبزيج سنة 1804). فالعمل لم يكن مكتملاً ولهذا لم ينشره موتسارت، بل تركه عند نقطة يعتبرها الموسيقيون غير مكتملة، عبارة عن كورد خامسة النغمة الأساسية تليه فرماتا أي سكتة عند الخانة رقم 97. أضاف مولر بعد هذه النقطة خاتمته المؤلفة من عشر خانات. ما يعزز هذا الرأي هو استعمال كورد الخامسة والفرماتا كذلك عند الخانة رقم 54، قبل الجزء الأخير من العمل الموقّع بسلم ره الكبير الذي يُعتبر سلّم السعادة عند موتسارت. هذا يعني أن ما كان سيأتي بعد الخانة 97 هو جزء جديد، لربما قطعة في شكل فوغا لكن موتسارت لم يكمله. وقد قدمت عازفة البيانو اليابانية المعروفة ميتسوكو أوتشيدا العمل مؤخراً بخاتمة من تأليفها استقتها من بداية الجزء الأول من الفنتازيا.
المَعلم الثاني الذي نتوقف عنده هو سلم الفنتازيا الذي اختاره موتسارت، ره الصغير، وهو السلم الدرامي عنده. قلما استعمل موتسارت السلم الصغير في أعماله، فهي معدودة لكن مميزة ربما لهذا السبب بالذات، مثل السيمفونية رقم 25 وكذلك رقم 40 الشهيرة، وكلتاهما في صول الصغير. لكنه استعمل ره الصغير لكتابة قداسه الجنائزي والأجزاء الدرامية والمخيفة من أوبرا دون جوفاني. هذا السلم كثير السوداوية وغامق، ويعبر عن العمق الدرامي تقليدياً لدى موسيقيي العصور السابقة، منهم باخ الذي استعمله في عمله الشهير توكاتا وفوغا مثلاً.
أحد أسباب شعبية هذا العمل، علاوة على عمقه العاطفي وتأثيره وجماله، هو السهولة النسبية لتقديمه وقصره كذلك. فالكثير من طلبة البيانو الذين تجاوزوا مرحلة المبتدئين قادرين على عزفه والتمتع به في نفس الوقت، وهذا يفسر انتشاره.