اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: ورثة تولستوي المعاصرون

قناديل: ورثة تولستوي المعاصرون

نشر في: 5 فبراير, 2022: 11:27 م

 لطفية الدليمي

لاأظنُّ أنّ (نابوكوف) جانب الصواب أو كان منقاداً انقياداً أعمى لإملاءات جيناته الروسية أو فروض نوستالجيا الطفولة والشباب عندما وصف الادب الروسي بأنّه (الالعاب النارية التي أضاءت عالم الأدب العالمي بأنوارها المبهرة). هذا استحقاق كامل ومنصفٌ تماماً للادب الروسي.

كثيرون منّا قرأوا في - شبابهم الأوّل أو فيما بعدُ - الأدب العالمي بكلّ كلاسيكياته المعروفة ؛ لكن تبقى للادب الروسي في الحقبة القيصرية سطوته الكبرى ولذّته السحرية. إذا كان كلّ الأدباء الروس قد خرجوا من معطف غوغول فلن يكون من قبيل المبالغة أنّ القرّاء العالميين خرجوا من جُبّة تولستوي. ثمّة عنصر روحي غريب في الادب الروسي إبان الحقبة القيصرية يجعل هذا الادب عصياً على التجاوز بفعل مقادير الزمن، كما يجعل من القراءات الأولى لذلك الأدب لصيقة بالروح والعقل. هل يمكن أن ننسى (آنا كارينينا) ؟ هل يمكن أن نتغافل عن (راسكولنيكوف) دوستويفسكي ؟ حتى لو أعدنا قراءة أعمال الأدب الروسي الاولى التي قرأناها من قبلُ فسنقرأها بكلّ الشغف الروحي والانغماس الكامل في عوالمها كما فعلنا من قبلُ. ربما لهذا السبب صارت هذه الأعمال شاخصاً رئيسياً في صناعة روح الأمة الروسية التي ماكان في استطاعة المتغيرات السياسية اللاحقة أن تدجّنها أو تدخلها عنوة في إطار آيديولوجي ضيق لايسعها ولاترتاحُ إليه.

عانت روسيا – الأمّة استحالات جيوسياسية كبرى نجمت عن سطوة الاتحاد السوفييتي الجبارة لكونه قوة عظمى أعادت رسم المشهد العالمي على كلّ الاصعدة، ثمّ حصل ماحصل في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما تفكّكت المنظومة السوفييتية (أو جرى تفكيكها بالاصح) بفعل ألاعيب عتاة السياسة العالمية وتخاذل بعض الروس من داخل قلب الأمة الروسية. يلاحظ المتابع لشأن الأدب الروسي أنّ ترجمات إبداعات الأدب الروسي إلى العربية إبان الحقبة السوفييتية كانت معقولة وإن إنطوت على أسماء محدّدة ذوات توجهات تخدم الرؤية الفلسفية والسياسية لمنظومة الحكم (وهذا ماتفعله كلّ منظومات الحكم بأساليب مختلفة حتى لو تلفّعت بمسميات من قبيل الليبرالية)، فضلاً عن تخصّص بعض المترجمين العرب في ترجمة الادب الروسي (سامي الدروبي مثالاً) ؛ لكنْ حصلت قطيعة ترجمية مع حقبة مابعد الإتحاد السوفييتي بحيث صار الأدب الروسي ثقباً أسود للقارئ العربي الذي ماعاد يعرفُ كيف إنعكست مفاعيل انكفاء الاتحاد الروسي إلى حدود (فدرالية روسية) على طبيعة العيش وتفكير الروس ورؤيتهم للعالم، وكذلك كيف إنخذلت أرواحهم التي كانت تتوق لخطف لذّات العالم بدل الوقوف في طوابير طويلة لنيل بعض (الزبد) مثلاً، ثم اكتشفوا الحقيقة الصادمة: سياسات السوق الحرة أكذوبة كبرى مثل كلّ الآيديولوجيات، وأنّ غير القادرين على صناعة حياة فضلى لهم بإرادتهم الذاتية لن يقدّم لهم الآخرون سوى أكياس من (الملابس المستعملة) بعد أن أوهموهم بفراديس موعودة ماكانت إلا سراباً.

لابدّ في هذا الشأن من تقديم فروض العرفان والشكر لجهود الدكتور (تحسين رزاق عزيز) الذي يعملُ بعزيمة لاتكل و لاتهدأ في ترجمة عيّنات منتخبة من الأدب الروسي المعاصر بما يمكن أن يقدّم صورة معقولة عن طبيعة الحراك السائد في هذا الأدب، وهو لم يكتفِ بأن جعل الأدب الروسي ميداناً لترجماته بل راح يترجم أعمالاً في نطاقات معرفية أخرى مثل اللغويات (كتاب « أساسيات نظرية اللغة والتواصل» مثالاً).

قراءة أعمال ورثة تولستوي المعاصرين تجربة رائعة، وأراها تتقدّمُ كثيراً على أعمال روائية عالمية معاصرة بدت لي عقب الانتهاء من قراءتها ضرباً من ملاعبة العبث لأنها تفتقد ذلك الزاد الروحي المُشبِع الذي مكّن الروائيين الروس المعاصرين من الجلوس إلى مائدة تولستوي العظيم ومشاركتنا بأطايب أعمالهم الأدبية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram