علاء المفرجي
حدثني صديق كان في زيارة الى الاسكندية ، عن زيارته الى متحف كافافيس هناك، والذي يعود البيت لشاعر اليوناني الذي ترعرع في مدينة الإسكندرية وقد عاش الشاعر هناك ردحا من الزمن تجاوزال 25 عاما،
و تم تحويل منزله الذي هو عبارة عن منزل ضخم جدا يقع في الطابق الثاني من مبنى قديم إلى متحف رائع. فأصبح يضم بدخله العديد من مقتنيات الشاعر نفسه، مثل كتبه ومخطوطاته وخطاباته التي تنتشر على الطاولات في مختلف أرجاء المنزل والأثاث الخاص به، بالإضافة إلى الكثير من اللوحات الفنية الرائعة والمنتشرة في كافة أنحاء المتحف.
وكشف أمين المتحف، أنه فى تموز 1923 كتب وصيته التى أوصى فيها بأن تعود متعلقاته لصديقه ومدير أعماله اليونانى «سوجوبلو»، إلا أن سوجوبلو نقل كل الأثاث والمتعلقات إلى اليونان، لم يترك منها إلا القليل، بينما نقلت الجمعية اليونانية ما تبقى من أثاث إلى مقرها وأقامت متحفا خاصا بكفافيس، وتحول منزله إلى «بنسيون» حتى 1991 وهو العام الذى أسس فيه جمعية محبى كفافيس.
تساءلت، شاعر يوناني وليس مصريا، يقام له متحف في مصر، بل وتفتخر هذه الدولة لانها كانت يوما موطئ قدم له، ما الذي فعلناه نحن، لادباء وباحثين اجانب مروا باراضينا، وقدموا خدمتهم له..
الغرب تنبه إلى قيمة أجاثا كريستي وقطارها وأهمية ما تركت من آثار مهمة وصلت إلى أكثر من مئة عمل روائي في مجال الرواية البوليسية.. ومنها (قطار الشرق السريع) هذه الجائزة التي أنشئت للاحتفاء بالمواهب الجديدة في اوروبا في جنس الرواية البوليسية، وتبنتها دائرة السكك الحديدية في اوروبا تيمنا بالرواية البريطانية أجاثا كريستي التي جعلت من هذا القطار مسرحاً لأحد اشهر رواياتها.لكنه في النهاية قطار الشرق السريع، وإن كانت صفة السريع بالطبع هي للقطار وليست للشرق.. هم مارسوا عسفهم مع الجغرافيا ليستأثروا بكريستي،بينما نحن امتهنا التاريخ -كما العادة- لننسى انها سليلة مستعمر عبثت يوم بعظام أسلافنا في الأقصر،وأور،وبترا،وشيراز.
ما الذي فعلناه نحن لهذه (الاجنبيه) التي وفدت الينا متلحفة بغطاء المستعمر برفقة زوجها عالم الآثار ماكس مالوان لتعمل في التنقيب والاهتمام بالقطع الأثرية في أور ونينوى والتي وصل بها الامر إلى درجة تنظيفها بمستحضرات العناية بالبشرة.
الغرب يحتفي بأجاثا كريستي بقطار الشرق، بينما الشرق يتعمد النسيان.. نسيان امرأة كان الشرق بالنسبة لها إلهاما، وفرصة،للتأمل والكتابة. جعلت الغرب يرسم هالة سحرية لهذه المرأة التي دغمت في روحانية الشرق وسحره والتي منحها -أي الشرق-الشهرة التي تستحق.
مدن بلاد الرافدين من بين مدن الشرق التي شملتها رحلات كريستي، كانت منعطفاً مهماً في حياتها وأبداعها.. هناك التقت أول مرة بزوجها العالم الاثاري ماكس مالوان، وهناك ايضاً كانت شاهدة على العثور على ال(نمرود).. بل هي من أطلق عليه (موناليزا نمرود) هذا التمثال الذي يرجع تاريخه إلى ثمانية قرون قبل الميلاد هي.. أيضاً من عاش لحظات أكتشاف قصر نبوخذنصر والقيثارة السومرية.. انها من ألهمتها مدن ما بين النهرين أفكار أفضل ماكتبت (جريمة في بلاد الرافدين) و(المجيء إلى بغداد) و(بوابة بغداد)..بل ان فكرة (القطار السريع) نفسه جاءتها وهي عائدة من العراق في هذا القطار.
الغرب يمنح الجوائز في قطار الشرق الذي صاغت منه كريستي واحدة من اجمل قصصها.. والشرق يأنف من ابنة الامبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس والوافدة إليه تحت تأثير سحره وجماله.. هو لا يرد إليها الجميل على الأقل في إسهامها في إزاحة الغبار عن طلاسم حضارته ولانقول بسبب سحره وغرائبيته التي ألهمتها اجمل ما كتبت.
تماماً وبزمن مواز لزمن كريستي سحر الشرق رحالة مثل (ولفرد ثيسيغر) الذي غادرنا قبل ثمانية اعوام باعلان سمعناه من اذاعة البي بي سي مفاده: (مات صديق العراق.. مات صديق الاهوار) وزميله (كافن يونغ) اللذان يعرفان جيداً عجرم بن حسين وسيد صروط واولاده، وجثير الفريجي اكثر مما نعرف نحن، تماماً كما يعرفون تلك البقعة في جنوب الوطن التي تذهب الروايات انها هي جنات عدن، (الاهوار)، والتي وثقاها بيئة وثقافة وتاريخا.. فكان ما سطرا مرجعا-ويا للمفارقة- لمن يريد ان يسبر اهوار الجنوب.
يونغ وثيسيغر رحالة من الغرب وفدا إلى الشرق ليستكشفوا غموضه وسحره وأساطيره وليجدوا أنفسهم عاشقين له..
ما الذي فعلناه لهم؟ ثيسيغر ويونغ وكريستي رموز تستحق ان نحتفي بها، تكريماً واستذكاراً وجوائز وان نخلع أسماءهم على أمكنة نحب.. في قطار للشرق.. الذي ليته ينهض من سباته.