TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > 8 شباط 1963- يوم الدم العراقي

8 شباط 1963- يوم الدم العراقي

نشر في: 7 فبراير, 2022: 11:22 م

 د.قاسم حسين صالح

لا أحد يعرف العدد الحقيقي للعراقيين الذين سفكت دماؤهم في 8 شباط 1963،فهو في تقديرات الحزب الشيوعي العراقي لا يقل عن خمسة آلاف تم قتلهم في (8 الى 10 شباط 63)،فيما قدّر العدد مراقب دبلوماسي بألف وخمسمائة.

ويشير حنا بطاطو الى أن العدد المعلن رسميا بإعدام(149) من الشيوعيين ليس صحيحا.ويذكر ما يسميها “ طرفة!” رواها العقيد محمد عمران،العضو السوري في القيادة القومية للبعث أثناء المؤتمر القطري السوري الاستثنائي للحزب عام ( 964) أنه قال :” طلب من أحد ضباط الجيش العراقي إعدام أثني عشر ولكنه أعلن أمام عدد كبير من الحاضرين أنه لن يتحرك إلا لإعدام خمسمائة شيوعي،ولن يزعج نفسه من أجل أثني عشر فقط “( ص: 304 ، الكتاب الثالث).

ولم يكن حزب البعث،الذي نفذ الأنقلاب بارادة امريكية باعتراف القيادي علي صالح السعدي، وحده مسؤولا عن قتل آلاف الشيوعيين والضباط والعسكريين والوطنيين والمناصرين لعبد الكريم قاسم، بل ان فتاوى دينية صدرت بقتل الشيوعيين. فالوثائق تشير الى ضابط متعصب قوميا وطائفيا اسمه (عبد الغني الراوي)، سعى للحصول عليها بعد 8 شباط 1963 ، واحدة كانت بتوقيع الشيخ محمد مهدي الخالصي بالكاظمية، وثانية بتوقيع السيد محسن الحكيم بالنجف، وثالثة بتوقيع مفتي بغداد الشيخ نجم الدين الواعظ . ووفقا لمذكرات الراوي فان فتوى الخالصي كانت بالنص 🙁 الشيوعيون مرتدون، وحكم المرتد القتل، وان تاب، وان كان متزوجا وحكم الزوجة والاولاد، وان كان لديه اموال منقولة او غير منقولة). ويذكر رشيد الخيون في كتابه “الديانات والمذاهب في العراق” ان فتوى الحكيم كانت ذاتها فتوى الخالصي، وانه بالرغم من ان عدد الشيعة في الحزب الشيوعي العراقي كان كبيرا جدا، الا ان امامين شيعين قد سايرا المتعصب طائفيا عبد الغني الراوي، بينما منعهم امام سنّي عن ارتكاب جريمة بشعة ينوي مرتكبوها حفر اكثر من احد عشر الف قبر..ولو انها كانت قد حصلت لكنت انا ومن معي في القبور!

الشيوعيون..لماذا لم يستلموا السلطة؟

لم تشهد الأحزاب العربية العلمانية والدينية تعاطفا شعبيا كالذي حظي به الحزب الشيوعي العراقي عام 1959. كانت مدن بكاملها مغلقة له،وكان معظم كبار مرافقي الراحل عبد الكريم قاسم..شيوعيين،وكثير من قادة الجيش ايضا:قائد القوة الجوية،وقائد قوات المظليين مثالا،وآخرين امتلئت بهم (نقرة السلمان)،فضلا عن شخصيات لها وزن عسكري واجتماعي ..ماجد محمد امين مثالا..فلماذا لم يستلم السلطة يوم تعرض الزعيم قاسم الى محاولة اغتيال عام (59)؟.

سألت مكرم الطالباني(الذي صار وزيرا بداية السبعينات) ،وكنا في سجن بغداد المركزي ومعنا مدير الخطوط الجوية العراقية،والعقيد عبد النبي..قائد قوات المظليين،وصباح خيري،الذي ما كانت له اهتمامات بالسياسة وجيء به لأنه شقيق شيوعي قيادي ،وانا الذي كنت اصغرهم، فأجاب بان تسلم الحزب للسلطة كان سهلا لكن الدول العربية وأميركا لن تبقيه فيها سنة!،فيما اجاب العقيد عبد النبي بأن السبب (موسكو!) لأن الحزب يتلقى الأوامر منها ويلتزم بتنفيذها حتى لو لم يكن مقتنعا بها،فيما علّق صباح خيري ساخرا..(الشيوعيون انطيهم حجي وبس،اما حكم..صدكني ما يكدرون يحكمون حتى العمارة).

وكان نتيجة ذلك اننا دفعنا ثمنها آلآف الشيوعيين والوطنيين قتلوا،وعشرات الآف سجنوا،ومئات ألآلآف امتلئت بهم سجون العراق ومراكز الشرطة وبنايات المدارس..ومئات قضوا في قصر النهاية،في مقدمتهم الشهيد..سلام عادل.

الشيوعيون..قلوب العراقيين معهم وأصواتهم لغيرهم!

المفارقة،ان العراقيين يعرفون أن الشيوعيين هم انزه واخلص القوى السياسية في العراق،وأكثرها تضحيات..ومع ذلك فأنه لم يحصل في برلمان 2005 سوى على مقعدين وتلك كانت نتيجة متوقعة ..لأن العقل الانفعالي يتحكّم بجماهير الضحية حين يطاح فجأة بجلاّدها فتعطي أصواتها في الانتخابات لمن يتعاطف معها طائفيا وقوميا ومن يمثلّهم بالمظلومية.

ومع أنه تبين لهذه الجماهير أن الكثير من الذين انتخبوهم وظنّوا انهم سيخدمونهم..خذلوهم وخانوا الثقة والأمانة، وأن العقل العاطفي تراجع لصالح العقل المنطقي، وأن الناخب لا يلدغ من انتخاب مرتين ، وأن العراقيين يبحثون عن بديل منقذ ، فان الشيوعيين ما حصلوا في الانتخابات اللاحقة حتى على نصف المقاعد التي حصلت عليها كتل ليس لها تاريخ سياسي كتاريخهم ولا تضحيات كتضحياتهم..لأسباب بعضها يتعلق بما روجته فضائيات وصفت الشيوعي بأنه (كافر وزنديق)، ولأن الحزب لا يمتلك وسائل اعلام خاصة به وأخرى تعرفونها ،وواحدة تبدو وكأنها مفارقة هي ان الضمير الاجتماعي للناس يحرص على أن يكون في المجتمع (خميرة ضمير طيبة) معجونة بالنزاهة والنقاء والاخلاص ..وأن العراقيين وجدوا هذه ( الخميرة) في الشيوعيين . ولأن الفساد شاع في السياسة والبرلمان والناس ايضا ،فانهم لا يريدون لهذه الخميرة ان تتلوث..كي لا تذهب الأخلاق السياسية والوطنية!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram