TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > دور التعليـم ومناهجـه فـي الكـراهيـة والعنـف وتخـلـف الثقافة الاجتماعية

دور التعليـم ومناهجـه فـي الكـراهيـة والعنـف وتخـلـف الثقافة الاجتماعية

نشر في: 21 يونيو, 2010: 05:07 م

د. شجاع العانيكلما فكرت في التعليم وسبل إصلاحه وجدتني أتذكر مقولتين، أحداهما صدرت عن وزير دفاع الولايات المتحدة مكنمارا عام 1967 وهو ينصح الأوروبيين بأن عليهم إذا أرادوا ردم الهوة العلمية بين أوروبا والولايات المتحدة، أن يهتموا بالتربية والتعليم، وكان حجم الهوة آنذاك يقدر بـ"خمسة عشر عاماً" ما لبثت ان تصاعدت مع حرب الخليج عام 1991 الى عشرين عاماً.
اما الواقعة الثانية التي تتردد في الذهن فهي إحدى التوصيات والنتائج التي خرجت بها اللجنة المكلفة بإصلاح التعليم في الولايات المتحدة التي تقول: وبدا كل ما هو قابل للحفظ مشكوكاً فيه.لقد قامت محاولات عدة لإصلاح التعليم في العراق، لكن هذه المحاولات انصبت على ما يمكن تسميته بالمظاهر الخارجية للتعليم وأهملت وغيبت جوهر المشكلة فيه، فغالباً ما دار الحديث عن الأطراف الثلاثة للعملية التعليمية "المدرس، الطالب، الكتاب، إلا أن كل هذه المحاولات لم تتفحص محتوى الكتاب وما يقود إليه من عملية تلقي قائمة على حفظ المعلومات واستذكارها من دون التفكير فيها، بمعنى ان هذا الكتاب الذي أعد خصيصاً ليكون مساعداً للطالب في العملية التعليمية يخاطب الذاكرة لا العقل، وهو بالتالي غير قادر على خلق وعي جديد لدى المتعلمين أو خلق مهارات عملية، بل ويكرس الوعي الفعلي لديهم والسبب بسيط ولكنه عميق وجوهري، هو أن هذا الكتاب المساعد لا يقوم على الحوارية والتعددية في الرؤى والأفكار ولا يناقش الأفكار التي يطرحها من وجهات نظر متعددة، بل يعدها مسلمات وبديهيات لا يرقى الشك إليها.قبل هذا الاختراع العجيب- أي الكتاب المساعد- كان أكثر من جيل من الأستاذة يملون المعلومات على الطلبة، وبرغم بؤس هذه الطريقة فإن الدرس لم يكن يقتصر على هذه الامالي، بل كان على الأستاذ ان يزود تلامذته بعناوين عدة للمصادر والمراجع التي ينبغي للطلبة مراجعة بعضها على الأقل، وهي مصادر تنطوي بطبيعة الحال على آراء متعددة ومتناقضة أحياناً ما يجعل منها عامل تحفيز لأعمال الفكر ومناقشة الآراء للوصول إلى ترجيح بعضها على بعض او للوصول إلى الصائب منها، كما يراه المتلقي.سأضرب مثلاً ساذجاً لذلك من مناهج الأدب العربي او بالأحرى تاريخ الأدب العربي يقول أحد الباحثين عن الموال الذي  نشا في العراق في العصور العباسية المتأخرة، هو من صنع مطربة تدعى مواليا، لكن تفسيراً آخر يقول أن العمال الزراعيين في أرض السواد اخترعوا الموال وغنوه وهم يعملون، وليس لمواليا سوى غنائه، ان مجرد ذكر الرأيين سيحفز للمقارنة بين الرأيين، وكأننا في مسرح بريخت الملحمي، ولكن القول بأحدهما من دون ذكر الآخر سيؤدي الى سبات في الذهن وتلقي المعلومة في منطقة الذاكرة، وهكذا أذن نحن باعتمادنا مناهج وكتب منهجية تعتمد وحدانية الرأي والصوت نكون قد حشرنا معلومة في ذهن الطالب دون ان ندفعه إلى أعمال الفكر واختيار ما يراه من رأي صائب.وبما أن الكتاب المنهجي هو نمط من الشمولية والديكتاتورية فإنه يقوم على تلقين المعلومة وحفظها، والغريب في الأمر ان الكثير من المدرسين والأساتذة يطلبون اليوم- ونحن في عصر الثورة المعلوماتية والحاسوب- الى طلبتهم حفظ النصوص عن ظهر قلب، بل ويطلبون إليهم نقدها نقداً عملياً في أثناء الامتحان من دون أن تكون حاضرة أمامهم، وكأننا ما نزال في عصر الشفاهية لا عصر الكومبيوتر!والغريب أن التسليم بالرأي أو الفكرة الواحدة من دون مناقشتها وإخضاعها للعقل والمنطق، يتم بعد خمسة وثمانين عاماً من نشر طه حسين كتابه في الأدب الجاهلي الذي عد في حينه ثورة في العقل والفكر العربيين لما جاء به من مناهج حديثة تقوم على الشك سواءً أكانت هذه المناهج غربية عرفها لدى ديكارت والمستشرقين الغربيين، أم كان فيها تلميذاً للعلامة ابن خلدون.في رواية الكاتبة العراقية حوراء النداوي تحت سماء كوبنهاكن قرانا عبارة تأملتها كثيراً، وقد تفيد هنا شاهداً برغم ان بطلة القصة تتلقى تعليمها هنا، من العائلة والوسط الاجتماعي المحيط، تقول بطلة الرواية "عندما اسمع كلمة مسيحي مثلاً أتخيل كاثوليكيا متديناً من جنوب أوروبا فكيف إذن يكون عراقياً ومسيحياً في آن واحد أم كيف له أن يكون سنياً وكلمة سني تقفز لها في مخيلتي صورة لرجل سعودي بلحية غير مشذبة.. الخ، ثم تضيف البطلة وراوية الحدث (... رغم أنني لم ألتق هذا النموذج أيضاً إلا أنه حشر في رأسي على أنه كذلك) ثم تبين الكاتبة أنه... هذا ملمح فكري إيديولوجي يطبع جاليتها العراقية كلها.وقد يناقش البعض أن هذا التعليم جرى بعيداً عن المؤسسة التعليمية، في الأسرة والجالية. ولكن أليس من حقنا أن نتساءل عن مصدر هذا النمط من التفكير والتعليم ومن المؤكد أن ليس ثمة كتاب يدرس في الجامعات قال ذلك، لكن مناهج التعليم وطرائقه البالية، هي التي جعلت الأسرة والوسط تفكر بهذه الطريقة وتعلم أبناءها على وفقها.إذا لم يصلح التعليم وتغير مناهجه، لتصير إلى مناهج حوارية تعددية، تخاطب عقل الطالب وتنمي وعيه، فأن ما نسميه بالثقافة الاجتماعية ونعزو التعصب الإيديولوجي والكراهية لها، هي بعض من ثمار التعليم المؤسساتي بل أن الدولة مطالبة بأن تخضع التعليم الديني، الذي بات ينتشر اليوم بشكل لافت للنظر، إلى ضوابط تمنع من أن يكون عاملاً للفرقة وإثارة الأفكار الطائفية والشوفينية.أن الذا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram