علي حسين
تبدو وسائل الإعلام العراقية هذه الأيام وكأنها ساحة تدور فيها دوائر غريبة وعجيبة.. لاشيء سوى أخبار الثلث المعطل، وغضب الساسة بعضهم على بعض.. والأهم القلق الذي يساور البسطاء على مصير هذه البلاد.. وعندما نقرأ تصريحا لسياسي أو مسؤول نزداد خوفاً إذا ما قررنا أن نتوقف عنده أو نصدقه..
لا أحد يدري إلى متى سيستمر الحال بحرب داحس والغبراء بين السياسيين، والتي يراد منها التغطية على الفشل المتواصل منذ تسعة عشر عاماً، الجميع يصر على أنه صاحب الحقيقة المطلقة.. وإذا حاولنا أن ننفض عن أنفسنا رتابة الكلام السياسي الممل الذي نسمعه ونقرأه كل يوم، يقلقنا أن البلاد لا تزال تبحث عن مسؤولين يقودونها إلى ضفة الأمان والطمأنينة.
نقلّب في الأخبار ذات اليمين وذات الشمال عسى أن نجد أحد مسؤولينا يمارس فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، والذي يشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرت بالمصلحة العامة.. عام 1969، اقترع الفرنسيون على الدستور الذي اقترحه ديغول. وحين أعلنت النتائج التي تظهر أن 52% من المواطنين صوتوا ضده.. نجد صباح اليوم التالي صحف فرنسا تنشر على صفحاتها الأولى الخبر التالي: ديغول يقدم استقالته وبيان من سطر واحد "اعتبارا من اليوم سأتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للدولة" كان ديغول الذي شعر بالأسى قد أنقذ فرنسا في حربين عالميتين.. وجعل منها خلال فترة حكمه واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى.. ومع ذلك استجاب لطلب المحتجين وغادر القصر الرئاسي وانشغل بكتابة مذكراته.
منذ سنوات ونحن نعيش ديمقراطية المحاصصة الطائفية، بعد أن عشنا عقوداً في جمهورية الخوف، لنجد أبواب المناصب والمنافع مفتوحة للتهافت والتكالب والسعي لإلغاء الآخر.. وجعل السياسة سوقاً للشعارات التي تجعل من المسؤول مبعوث العناية الإلهية لهذا الشعب لكي يسير به إلى طريق الهداية والإيمان.. لم تعد السياسة في الأمم المتحضرة مباراة للبطولة وحشد الطوائف.. لكنها عصر الشعوب التي قررت أن ترمي التعصب والتخلف والخرافات وراء ظهرها..
مساكين أبناء هذا الشعب الذين اتعبتهم أخبار الصفحات الأولى.. متى يعيشون في ظل ساسة ومسؤولين يقدمون أمثولة للتاريخ حين يفاجئون العالم بأنهم أكبر من المنصب؟.. أخبار الصحف الأولى تؤكد أن لا أمل في الأفق.. فنحن مع ساسة يسيرون إلى التاريخ والكرسي أمامهم لا خلفهم.