السعيد عبدالغني

"المادة لها بداية ونهاية. لكن من خلال الفن، فإن هذه المواد خالدة"

كارلو باليريو

الهوية، الإنتاج الشخصي للذات، التعامل مع الحمولة الغامضة والمعلومة، مع الضمير المتكلم «أنا»، التناص بين ذلك وبين اللون والجسم، هذه بضع سمات لعالم الفنان كريم سعدون.

الهوية هي التي يمكن للذات أن تعرِف نفسها بالنسبة للآخر، أو لذاتها وهناك أنواع هويات كثيرة. ولما كان الفن محرِك دلالي للنظام الثقافي بأكمله، كان يخلِق في حيز المسمى أشكال كثيرة قد تنفيه، تطوره، تطلقه، تعينه.. إلخ.

إن أردت أن تعرف هوية الفنان كريم سعدون، النظرة العادية هي الجنسية، الجنس، السن، العمر،..إلخ. لكن هذا لا يُعبر بشكل إلا طفيف جدا عنه لأنه محرِك دلالي.

ولم يكتفي بالتجريد فقط بل بفن ««mixed media وهو يستخدم فيه الرسم كتقنية والمواد كوجود مباشر أو غيره، ففي الرسم الطبقات ، والتركيب ، والتقطيع ، والنسيج.. إلخ

والمواد القماش، والخشب، والورق، والمعادن ،والأحجار.

وكلما تعددت المواد كلما تفتحت سعة الحيز بسعة الاضافة لهوية المضَاف هذا، أي حرية الاستخدام تُخرِج آفاقا كثيرة ومتسعة لأقصى درجة من مادة واحدة.

المتوق والغائب

يمكن تحقيق الذات المتوقة والغائبة عند المبدع بدرجات مختلفة في أعماله، أي أنها لا تظهر جعبة واحدة ولا تظهر في حيز واحد بنفس الشكل.

ولأنه لا يكتفي بشكل واحد له بحكم صير تخييله وتحليله لكل شيء لونيا في حالتنا الفنية، يُنتج شخوصا كخطابات يحمل كل منها إرثا فلسفيا ثقافيا نفسيا.. الخ

فلسفة الشخوص

فلسفة الشخوص المجردة تبين فيها الجواهر الذاتية المتعددة، عكس التشكيل المغلق الروتيني بأي مستوى، ولا ينفي ذلك سعة التجريد في الفنية فيه. وبالنسبة لي هذا أصعب كون الادوات تقل والموضوع يتسع لأقصاه.

متى عددت ذاتك فأنت مشيت للبحث عنها، ومهما تجليت التعددات كلما تحررت من دوغما الذات الواحدة.

يمكن النظر بأشكال كثيرة للتجريد، يمكن ملأ العظم الخطي وكسوته لكني لا أفعل ذلك، أنا أبدأ دوما من قلة الالوان والتشكيل والخ، لأن هذا يفتح التأويل أكثر، التجريد ينتج إشارة مكثفة، بلا حشو.

يمكن تلقي التعدد الذاتي ليس كمجاز بل كمنطقية كون الذات لا تثبت في معرفتها بذاتها ولا معرفتها بالعالم ولا في وجودها المعرفي.

البياض مضجع المتخيل

دوما تكون هناك إن لم تكن بنسبة كبيرة للبياض، ومن خصائص البياض هو أنه شكل سائد لمفهوم الفراغ، أي أن التشكيل الموجود سيكون وحيدا بالمنطق.

وكريم سعدون عدد في البياض هذا جهة الوجه لتشمل كل الجهات تقريبا، ربما لبحث عن جهة أخرى يرى فيها أحدا سائر.

لا تظهر أي ملامح تكوينية تشف عن أي تشكيل واقعي لشخصه في تجريداته، وهذا يفتح الضم لأي شخصياته أن تكون أنا وأنت.. إلخ، ولا تكون ملكا لأحد وهذا جمال التجريد العموم الجمالي.

الفن خارج الرسم

من أشكال الفن لدي وأقصد الفن بدلالة الخلق لا بدلالة التصنيف في الرسم، هو التعبير بلا دلالات السائد، بلا الرؤى العامة، والاستكشاف الذاتي لما يمكن الدخول له في الذات والعالم.

والحديث عن الشخوص هو حديث عن الهوية المقترحة للفنان كريم سعدون، والهوية سؤال فلسفي يثير أهمية كبدء فني او شعري اي أنه سؤال جوهري في ذهن أي خالق.

كريم سعدون يتعدى بعيدا عن موضوع الرسم الذي هو الجسد بشكله العام أو الجسوم للتعبير عن معاني من خلال التداخل التجريد الطحن اللوني النحت البعيد إلى كل ما يمس آنه قبل الرسم وفيه.

يمكن أن تستكشف تاريخ الإنسان في الفن بصور مختلفة، عند كريم هو ليس التاريخ الأفقي فقط، بل ما بعده، بحكم التجريد نفسه وبحكم البصيرة اللونية، فالتجريد هو عين متعدية للزمن، وإضافة قدرته على البصيرة.

التاريخ النفسي لعالم آخر، أشكال مختلفة للجسوم، التفاعلات.

المعجم اللوني والجسمي

كما يخلق الشعراء الحقيقيين لهم معجما لغويا، يخلق الفنانون الحقيقيون معجما لونيا وجسميا، ودقة المعجم مع الوقت تبتثر ذاتها حتى تخلصها إلى أقصى درجة وهذا ما فعله كريم سعدون في الألوان والجسوم المجردة، الألوان الداكنة لكن بين الوحي المأساوي والفاكهي، والجسوم التي تدل على ذوات بلا ملامح، وهذا التخليص الملامحي أراه أنه إرادة في تعميم الذات المطروحة بلا كل ما ورثته لأقصى درجة أي بما هي خلقته في ذاتها فقط.