اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فـي موت الباحث عن الحقيقة: جوزيه ساراماغو

فـي موت الباحث عن الحقيقة: جوزيه ساراماغو

نشر في: 22 يونيو, 2010: 04:42 م

نجم والي البلاء يبدأ عند تقاطع أحد الشوارع، عندما يفقد الناس فجأة حاسة النظر ولا يستطيعون الإلتزام بإشارات المرور. سيارات تصطدم ببعضها ولا أحد يجد مخرجاً من المأزق. مدينة كاملة تسقط في الفوضى لإنها تحولت ذات صباح مضيء إلى "مدينة العميان".
 المشاهد تلك التي بدأ الفيلم الذي حمل نفس العنوان والذي أخرجه فريناندو مايرليس هي في الحقيقة صورة معبرة عن ارتباط الحياة الإنسانية الجماعية بحاسة النظر، أما الرسالة التي تبعثها لنا فتقول: عندما نبطل النظر إلى بعضنا وجهاً لوجه، فإن البربرية قادمة بشكل خطير لا محالة. لا أحد يعرف أين تقع تلك المدينة، لا الفلم يقول لنا ذلك، ولا الرواية تبوح بمكانها. ولأن كاتب تلك الرواية أحد عباقرة القص العالمي، صاحب النوبل البرتغالي جوزيه ساراماغو، تصبح تلك "مدينة العميان" في الرواية المنشورة عام 1995 تحت نفس العنوان، مدينة واقعية لدرجة يمكن تخيلها في كل مكان، إنها نموذج فاضح لمجتمع العولمة المحيط بنا، من غير المهم إنها لا تحمل ما يربطها بإصولها البرتغالية. طريقة الكتابة تلك هي أيضاً بشكل ما الميزة التي دمغت أدب جوزية ساراماغو، ميزة جعلت أدبه ينعتق من حدود بلاده الصغيرة البرتغال ويتلبس لغة عالمية مليئة بالمجاز والإستعارة لا تلتزم بقوانين الصنف الأدبي  (الرواية)، المهم هو قدرة الراوي على الروي، وفي ذلك كان ساراماغو بارعاً، من غير المهم أن يجعل جبال البيرنيه تنفصل مع شبه الجزيرة الإيبيرية وتلجأ للمحيط الأطلسي (رواية "قصة حصار لشبونة" المنشورة عام 1991)، أو يجعل مدينة كاملة تُصاب بالعمى أو يجعل الموت يعلن الإضراب فجأة، لكي يورطه في النهاية في قصة حب (رواية "زمن بلا موت" المنشورة عام 2009). في كل ذلك كان ساراماغو متميزاً. مثال آخر مهم لطريقته المتميزة بالكتابة الروائية هو روايته "الانجيل حسب يسوع المسيح" المنشورة عام 1991 والتي يتحول المسيح فيها إلى شخصية إنسانية، الأمر الذي جعل الكنيسة الكاثوليكية تشن حلمة كبيرة عليه وتتهمه بالهرطقة، وفي حمى تلك الحملة والضجة التي أثيرت ضد الرواية، شطبت وزارة الثقافة البرتغالية اسمه من قائمة المرشحين لجائزة الأدب الأوروبي. كانت تلك كما يُقال القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت ساراماغو يقرر مغادرة البرتغال مع زوجته (التي هي مترجمته إلى اللغة الاسبانية) والذهاب إلى منفاه الإختياري، إلى جزيرة لانزاروته الاسبانية والتي هي أحد جزر الكناري في المحيط الأطلسي.على  الجزيرة البركانية تلك الواقعة في المحيط الأطلسي نشأ في مجرى السنين كل نتاجه الأدبي الغزير، فإلى جانب رواياته العديدة (منها "الكهف""، "كل الأسماء"، "وقت بلا موت"، "رحلة الفيل"...الخ) واظب ساراماغو على كتابة دفتر يوميات تحول قبل سنتين على شكل ويب سايت على الإنترنيت. وعلى تلك الصفحة كتب سارماغو آراءه وتعليقاته السياسية على ما يحدث في العالم بصورة مباشرة، سواء تعلق الأمر بنقد بعض السياسيين أو بنقد الرأسمالية ففي كل ذلك ظل ساراماغو الشيوعي المخلص لحزبه الشيوعي البرتغالي ولفكرته "الشيوعية" للعدالة، تلك الفكرة التي صاغها لنفسه منذ أن كان شاباً صغيراً. على عكس ذلك ظلت لغته الروائية صعبة الأسلوب في بنائها، دقيقة المعاني صعبة على الترجمة، وهذا ما جعل ترجماته العربية تأتي بائسة مليئة بالأخطاء وغالباً لا علاقة لها بالنص الأصلي. إنه الأسلوب الخاص لإنسان تشبع بالأدب والذي أراد صنع قوانيه الأدبية الخاصة به في الكتابة، رواياته تخلو من الحوار المباشر، لأن الحوار هو جزء من السرد، ومن لم يقرأ روايات عديدة لساراماغو ويعرف أن أسلوبه الكتابي هو بهذا الشكل، فإن الأمر سيلتبس عليه لامحالة.من الصعب تخيل قوة أدب جوزيه ساراماغو وشغفه بالكتابة دون المرور بسيرة حياته. في عام 1922 جاء ساراماغو إلى العالم في "آزينغا"، قرية صغيرة في البرتغال، حيث الفقر والعمل لم يترك للناس غير الجلوس في المساء ورواية الحكايات. في العديد من روايات ساراماغو لا يعثر القاريء على عالم الحكايات ذلك وحسب، بل يكتشف أيضاً روائياً عليماً بكل شيء بالنسبة له اللغة المحكية وثيقة لتحقيق الشخصية تعبر عن مقاومة الناس البسطاء ضد المتسلطين. في تلك القرية  ترعرع ساراماغو في كنف عائلة بسيطة. كان أجداده رعاة خنازير، أما أمه فكانت أمية، فيما كان أبوه يدور من حقل إلى حقل لكي يعمل فلاحاً عند أحد ملاكي الأراضي الأقطاعيين، قبل أن يقرر الأب أخيراً الإنتقال مع عائلته إلى لشبونة حيث يدخل للعمل في سلك الشرطة. في لشبونة سيجد الإبن ضالته في الكتب وكما يقول عن نفسه لاحقاً، في تلك الفترة وإلى جانب عمله المبكر موظفاً في شركة تأمين (في هذا قلد ساراماغو كافكا) تحول إلى فأر كتب. بعد ذلك وخلال أعوام حكم الفاشية للبرتغال إنتقل ساراماغو للعمل في دار للنشر، رغم عمله في الدار إلا إنه لم ينشر إلا بصورة متقطعة، كان مقلاً جداً، وأولاً في عام 1980 (كان له 48 عاماً من العمر)، قرر نشر روايته الأولى &qu

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram