الكتاب: الحاجة إلى الصمت المؤلف: جورج بروكنيك دوبلداي ترجمة: عبد الخالق علي تقول كاترين بوتون: ما هو الصمت؟ إنني صمّاء في أذني اليسرى.. ربما تعتقدون بأن الأذن الصماء ليس فيها الا الصمت المطبق.. لكنها ليست كذلك، إذ أنني اسمع أصواتاً هوائية عميقة و همهمات جوفاء تأتي و تتلاشى و تتغير في مستواها و حجمها.
لقد وجد جورج بروكنيك مكانا أكثر هدوءا من أذني الصماء. فالكنيسة الواقعة تحت الأرض جنوب (دوبوك) هي مكان هادئ جدا بحيث ان الزوار يجدون أنفسهم أحيانا غير قادرين على البقاء هناك. لقد تمسّك السيد بروكنيك بهذا المكان ; انه يريد " ان يبقى و يغوص عميقا فيه " لقد جعله الصمت يقر " بحدود معرفتنا بما يحدث في داخلنا و خارجنا، معرفة وجود شيء ما وراء النفس ". انها ملاحظة بليغة، لكن هل يمكنك ممارسة الصمت المطبق بحضور شخص آخر؟ ان السيد بروكنيك، الذي كان برفقة دليل، لا يتحدث عن ذلك. لقد سافر في كل الأماكن بحثاً عن الصمت: إلى كوبنهاغن ليتعلم شيئا عن " تخطيط الصوت " في المناطق الحضرية، و الى حديقة (زين) في بورتلاند، و الى مختبر علم الأحياء العصبية في مانهاتن، و إلى متنزه صغير في نيويورك يقع في زاوية بالقرب من مكتبه.في جامعة (غالوديت) كان يتأمل الصمت كما مبين فيما يسمى بـ (الهندسة المعمارية للصم): " تأكيد على الضوء الطبيعي، التغلغل بين الفضاء الداخلي و الخارجي، و الحركة المنحنية للأنسياب الحر ". إن الشفافية و الانفتاح تمكّن الصم من " الاعتماد على الإيماءات المرئية في الوقت الذي يعتمد فيه الفرد الطبيعي على الصوت ". أحد الطلبة الصم في الهندسة المعمارية يريه فضاءً - مبنيا من قبل مهندس معماري يسمع – كمكان لتجمّع طلبة غالوديت: مكان دافئ تحيط به شجيرات و فيه مقعدان متقابلان خلفهما حيطان من الطابوق. لكن بدون بصر لا يستطيع الأصم ان يعرف بأن هناك شخصاً يقترب. شعر الطلبة بأنهم معرضون للضرر هناك، فتجمعوا أمام الممر في الساحة المفتوحة. عند وقوفه هناك بنفسه، استطاع السيد بروكنيك ان يرى بأن " صف البنايات و الأرض و الطرق و خطوط البصر الهامشية كانت واسعة كما في وسط حقل مرئي ". لكن الأماكن الصاخبة هي التي تشحن كتاباته. في منافسة أقيمت برعاية مؤسسة (انطلاق الصوت و الصورة) في وسط فلوريدا، يتوقع (تومي) – ملك النوتات المنخفضة – ان يصنع صوتا بالنظام الصوتي في سيارته، يمكن ان يهشم زجاج سيارته. شق السيد بروكنيك طريقه عبر متاهة السيارات " حرارة رطبة و نوتة منخفضة تمتزج لتولد انفجارا مرطبا للدماغ ". امرأة ذات شعر احمر طويل تميل الى جانب الراكب عند تشغيل الجهاز الصوتي " بدأ شعرها يتطاير في الهواء مثل اللهب يتموج بحرية ".نحن نخلق الصوت لنكتم الصوت، كما يقول المؤلف. لقد تم ترويج الـ (ووكمان) كوسيلة لرسم الخطوط العامة لأصوات المدينة، أما الـ (ايبودز) – كما يشهد مستخدموه – فانه يقوم بتصفية تشتيت الذهن. في إحدى نوادره يخبرنا السيد بروكنيك بأن البحث يبين ان الموسيقى على مسجل MP3 تمكّن الناس المصابين باضطراب و عجز الانتباه من التركيز. و حتى بالنسبة للذين يعانون حالات شرود الذهن، فإن الصوت الثابت الواقع تحت سيطرة ذلك الفرد قد يزيل تشتت الذهن للشخص الآخر. و هكذا فإن ولدك المراهق الذي يكتب واجباته البيتية و هو يضع الهيدفون فإنه ربما يركّز الانتباه على واجباته. أخيرا يعود السيد بروكنيك الى بروكلين التي بدأ فيها بحثه عن الصمت. الآن لديه تقييم جديد و امتنان لمحبي الصوت، و كذلك لديه فهم جديد بأن أولوياتنا عن الصوت و الصمت تحتاج إلى إعادة تنظيم. يقول الخبير " نحن ننفق كل هذه الأموال لإنشاء أماكن صاخبة " كما قال له أحد خبراء الصوت، و " نحتاج إلى إنشاء أماكن هادئة مثل المنتزهات الصغيرة ". يقول السيد بروكنيك " لقد بدأنا بذلك. في وسط مدننا ذات الأصوات المتنافرة، يصنع الناس واحات من الهدوء تصبح فيها الأصوات التي تغذي إحساسنا بالسلام و الحنان و الخيال مثل المياه المتساقطة و حفيف أوراق الشجر و أغاني الطيور، مسموعة مرة أخرى."
الاستماع للمعنى في عالم صاخب
نشر في: 22 يونيو, 2010: 04:48 م