حازم مبيضين لم يكن وارداً ولو حتى في الخيال أن يتنطع حزب هولندي يميني متطرف – من باب الولاء لإسرائيل – بالدعوة المثيرة للسخرية والاستهجان والغضب، إلى سحب اعتراف هولندا بالدولة الأردنية، لصالح وطن فلسطيني موهوم يقام خارج أرض فلسطين التاريخية، والأنكى هو تغليف تلك الدعوة بالحرص على الوطنية الفلسطينية، المدعوة من ذلك الحزب للتمتع بامتيازات مشبوهة على غير أرضها،
وفي غير وطنها، مقابل التغاضي عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، ونسيان فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، والواضح أن التعصب الأعمى لإسرائيل، والجهل الفاضح بالمنطقة وقضاياها وتاريخها وتركيبة مجتمعاتها، تقف مجتمعة وراء هذه الدعوة المشبوهة والمرفوضة والمدانة. بعقلية الحروب الصليبية التي لم يتعظ فيلدرز زعيم حزب الحرية الهولندي بنتائجها الكارثية على الأوروبيين قبل غيرهم، وبفكر منغلق على تصورات وهمية، أعلن في برنامجه الانتخابي شعارات بغيضة وعنصرية وحاقدة، منها حظر القرآن الكريم، ودعا بكل جهل إلى عدم التعامل مع الإسلام كما يتم التعامل مع الأديان الأخرى، لأنه بحسب فهمه القاصر، مجرد آيديولوجيا شمولية ترتكز على الهيمنة والعنف والقمع، منكراً عن جهل أو تجاهل وجود الإسلام المعتدل، وطالب بحظر تام للهجرة من الدول الإسلامية، وكأن بلاده لا تستفيد من هذه الهجرة، كما طالب بعدم السماح ببناء مساجد جديدة، وإغلاق المدارس الإسلامية، بالاضافة الى مجموعة من الدعوات التي لا يمكن – حتى للمحايدين – وصفها بغير التعصب والانغلاق، وتجير السياسات الخارجية لهولندا لمصلحة إسرائيل.لسنا معنيين بالتأكيد بالرد على المتطرف الذي يشغل للأسف منصب رئيس وزراء هولندا، ولكننا معنيون من منطلق إنسانيتنا التي يجهلها فيلدرز، بالتعاطف مع الشعب الهولندي الذي يحكمه إلى حين، ونعرف أنه عزف على وتر المصالح الحياتية للهولنديين للفوز بأصواتهم، ونعرف أن الصهيونية المتطرفة دعمت حملته ودفعته إلى المقدمة، ونعرف أنه تذرع بالحرب على الإرهاب لتخويف شعبه من الإسلام، الذي يسعى بعض المنتمين إليه زوراً لتشويه صورته النقية الناصعة، فيعطون الفرص الكبيرة للمتعصبين والمنغلقة عقولهم للتهجم عليه واتهامه بما هو ليس فيه.اللافت أن الدعوة المتطرفة الصادرة من لاهاي لم تجد لها صدىً في الأردن، ولم يعلق عليها الكثيرون، إما لسخف الفكرة، أو لثقة الأردنيين بوطنهم ودولتهم، وقناعتهم بها وبوطنية الفلسطينيين الذين يرفضون قبل غيرهم مقولة الوطن البديل، لكن بالون الاختبار هذا كان يجب أن يواجه بحملة جماعية يقودها السياسيون والمفكرون والإعلاميون لدحض الفكرة من أساسها، ولمنع غير الهولنديين من مجرد التفكير فيها، ليس لأننا لا نؤمن بهذا الوطن حد التقديس، وإنما لقطع الطريق على أفكار أخرى مشابهة قد تجد لها صدىً عند بعض ضعاف النفوس، والذين يتحينون مثل هذه المناسبات لرفع رؤوسهم من جحورها.الأردن هو وطن الأردنيين منذ خلق الله الأرض، وإلى أن يرثها، شعبه ليس مستورداً، وإنما هو شعب أصيل منتم إلى التراب المتكون من عظام الأجداد، وحضارته التي تنهض البتراء شاهداً عليها رغم أنف الزنبق الهولندي راسخة تتحدث عن عظمته وتتحدث عن قدراته على الإبداع رغم الفقر، وتاريخه يتجاوز بملايين المرات خبرات تربية البقر.
خارج الحدود: هولندا في موقع الشبهات
نشر في: 22 يونيو, 2010: 05:02 م