ستار كاووش
حين إجتمع ثلاثة رسامين إنجليز شباب هم جون ميليه ودانتي روزيتي ووليم هَنت، لم يدر بخلدهم أنهم سينطلقون بفن الرسم الى نقطة بعيدة جداً، ولم يتصوروا بأنهم سيتركون بصمتهم العظيمة في تاريخ الفن الى الأبد. هكذا بدأ الأمر سنة ١٨٤٩ حين صحبَ جون ميليه صديقيه الآخرين الى بيت والديه في لندن، وهناك في غرفته الصغيرة، بدأ الإجتماع الأول لجماعة ما قبلَ الروفائيلية.
كان هَنت وميليه مايزالان طالبان في الأكاديمية الملكية، بينما كان روسيتي قد تخرج تواً. لم يتوقف الثلاثة وقتها عن معارضة تقاليد الرسم في الأكاديمية المحافظة والتنديد علناً بطريقة الرسم السائدة وبألوانها المعتمة، ويحاولون إيجاد صيغة جديدة تجنبهم قتامة الرسم القديم وتبعدهم عن الغبار الذي تراكم بسبب تقاليد الرسم الصارمة. وحين أعلنوا عن رؤيتهم وأفكارهم، إنظم اليهم بعد فترة وجيزة الناقد والشاعر ويليام مايكل روزيتي (وهو شقيق الرسام روزيتي) والرسام جيمس كولينسون والناقد فريدريك جورج ستيفنز والنحات توماس وولنر. وقد إرتبطت هذه الجماعة الفنية منذ بدايتها إرتباطاً وثيقاً بالشعر، حيث تَمَّ التعبير عن الكثير من أفكارها عبر مجلة (الجرثومة) التي صدر منها أربعة أعداد وضمت كتابات عن الفن والأدب، وظهرت فيها كتابات رسكين وقصائد روزيتي وأخته كريستينا.
كان هدف هذه الجماعة، هو العودة للرسام رافائيل وما قبله (ومن هنا جاء إسم الجماعة) حيث الجمال المثالي الذي اعتبروه ذروة ما وصل اليه الفن في أوروبا، وأرادوا التوصل الى فن بسيط ونقي وروحي وملموس، يداعب القلب والعين مباشرة، كذلك يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالطبيعة ويحمل مواضيع مهمة، ذات مغزى ورمزية، وبهذا إجتهدوا برسم لوحات تحمل رسالة أخلاقية مغلفة بشيء من الرومانسية وبتكوينات غير معقدة. فكانت النتيجة، بث حياة جديدة في الرسم الإنجليزي. هكذا بدأوا بداية رفيعة المستوى، لكن نالتهم الكثير من الإعتراضات حول مواضيعهم الدينية وطريقتهم الغريبة في رسم شخصيات القديسين. لذا إبتعدوا عن هذه الموضوعات التي تثير الجدل وإستلهموا لوحاتهم من مسرحيات وقصائد شكسبير وتينيسون وآخرين، كذلك من والأساطير والحكايات الرومانسية التي تتلائم مع أفكارهم وتقنياتهم.
وبهذا الإجتهاد الذي صاحبه مواهب نادرة، غيروا طريقة النظر الى الرسم، وأخذت خصوصيتهم تظهر أكثر، وتوضحت ألوانهم المشرقة، بطريقة تعيدنا الى اللوحات الجدارية الإيطالية التي رُسِمَتْ قبل رافائيل، ليبتعدوا بشكل كامل عن تقاليد الأكاديمية الداكنة التي علتها غبرة الزمن. وقد إختصر الرسام هَنت ذلك بقوله (نريد أن نبتعد عن الألوان البنية القاتمة التي فرضتها تقاليد الأكاديمية، لنرسمَ في لوحاتنا ألوان الطبيعة المشرقة الزاهية). وهكذا مضوا برسم الطبيعة والزهور والتفاصيل الصغيرة وقطع الأقمشة وملابس الشخصيات وكإنهم يقدمونَ عرضاً مسرحياً باهر الجمال. ونلاحظ كيف إحتَلَّتْ الزهور وألوانها مكانة ورمزية عالية في أغلب لوحات هذه الجماعة، وإعتمدوا على ما تعنيه وتشير إليه هذه الزهور في الأساطير والقصص والأشعار. ولم يكتفوا برموز الزهور، بل كتبوا على لوحاتهم الأولى، الحروف الثلاث التي يبتدأ بها إسم الجماعة (پ ر ب)، إضافة الى اسماءهم الشخصية، وأحياناً يضعون هذه الحروف في زوايا وأماكن مخفية في اللوحات.
وبحلول سنة ١٨٥٧ أعلن أكبر المدافعين عن الجماعة والمروجين لها جون روسكين، عن توقفها، لكنه أشار أيضاً الى ظهور حركة جديدة تُكملها، أطلق عليها إسم (الحركة الجمالية)، وهكذا عادت ما قبل الروفائيلية بشكل آخر، ومع الكثير من الأعضاء الجدد مثل إدوارد بورن جونز وآرثر هيوز وويليام موريس وجيمس ماكنيل، وكان الرسام روزيتي هو الذي تزعم هذه الموجة الثانية من الجماعة، التي كان الجمال الصافي هو هدفها، حيث رسم الفنانون في هذه الفترة نساء بنظرات شاردة يعلوها بعض الحزن والغياب، وإبتعدوا عن الطبيعة، لينشغلوا داخل مراسمهم بإنجاز لوحات تقترب مناخاتها من الأحلام، وقد إستقوا موضوعاتهم من أدب العصور الوسطى والحكايات الأسطورية للملك آرثر، والشعر، كما في قصيدة السيدة شالوت التي تكرر رسمها كثيراً. وصارت الموديلات التي رسموها وإعتمدوا عليها في لوحاتهم، شهيرة وتتمتع بحضور رائع، كالموديلات التي رسمها روزيتي، مثل إليزابيث سيدال وفاني كورنفورث وجين موريس، والكثير من عشيقات هذا الرسام الشاعر. وقد عكست الموديلات في لوحات هذه الفترة، نوعاً من الحسية والرغبات الدفينة أكثر من لوحات المجموعة السابقة. ولاقت هذه اللوحات إستحساناً كبيراً وخاصة من قبل أثرياء المجتمع الانجليزي حيث وضعوا تلك اللوحات في منازلهم الفخمة. وفي سبعينيات القرن التاسع عشر، إنضمَّ رسامون جدد لهذه الجماعة، في مقدمتهم الهولندي لورانس ألما تاداما وفريدريك لايتون وآخرين.
حاولت هذه الجماعة الإستمرار وسط أمواج التغيرات التي طالت الذائقة الفنية بسبب ظهور الحركات (الحديثة)، مع ذلك بدأ تأثيرها يخفت شيئاً فشيئاً، لتتوقف بنهاية القرن التاسع عشر. لكن الجمال الحقيقي لا يموت ولا يندثر، ومثل كل إبداع أصيل، إنبثقت أهمية ما قبل الروفائيلية من جديد، بعد أن إنتبهت الكثير من المتاحف وقاعات العرض ومقتني اللوحات الفنية لعظمة وعبقرية وفرادة لوحات هؤلاء الفنانين الكبار، ليعودَ بريقهم من جديد وأُستعيدت مكانتهم الفنية وتأثيرهم العظيم في تاريخ الفن.