د.قاسم حسين صالح
قبل ست سنوات ،كنا نشرنا مقالا بعنوان ( على مسؤوليتي..السياسيون العراقيون مرضى نفسيا)..جاء في مقدمته (.. فإن وجدوا فيما أدّعيه تهمة مخلة بالعقل او طعنا بالشرف السياسي، فلهم الحق في إحالتي الى القضاء،فان قضت المحكمة بأدانتي فلها أن تودعني السجن، وإن قضت بإدانتهم فعليها ان توصي بإحالتهم الى مصحة نفسية...).
ولقد اثبتت أحداث السنوات الثمان عشرة صحة التشخيص السيكولوجي،يتصدرها ان السياسي العراقي في السلطة مصاب بـ(الحول العقلي)،وهو مصطلح جديد كنّا ادخلناه في علم النفس، ويعني ان المصاب به يصنف الناس الى مجموعتين:(نحن) و (هم)..فيعمل عقله (فكره) على وصف جماعته بالصفات الإيجابية ويغض الطرف عما فيها من سلبيات،وينسب للجماعة الاخرى الصفات السلبية ويغمض عينه عما فيها من ايجابيات،ويرى نفسه انه على حق مطلق والآخر على باطل مطلق. والمؤذي في ذلك،انه في حالة حصول خلاف أو نـزاع بين جماعته والجماعة الأخرى فإنه يحّمل الجماعة الأخرى مسؤولية ما حدث من أذى أو أضرار ويبرِّئ جماعته منها حتى لو كانت شريكاً بنصيب أكبر في أسباب ما حدث..وأمر مسلم به أن شخصا بهذه الصفة المرضية لا يصلح لأن يكون قائدا لمجتمع تتنوع فيه الأديان والمذاهب والقوميات.
واثبتت الأحداث التي شهدها العراق عبر السنوات(2006 تشكيل اول حكومة الى 2022) ان العقل السياسي العراقي في السلطة لغاية اجبار انتفاضة تشرين حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة،انه منتج للأزمات.والعقدة هنا، أن عملياته العقلية تبرمجت على الأدمان عليه.وكما نوصي نحن المعنيين بالامور النفسية بوضع المدمن على المخدرات بمصحة نفسية حفاظاً على سلامته وسلامة الآخرين،فان العقل السياسي العراقي المسؤول في السلطة صار مدمناً على إنتاج الازمات عبر (18) سنة..ما يعني أن الادمان على الازمات كالادمان على المخدرات..ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره.وبما ان المشكلات الاجتماعية تتطلب حلولا مبتكرة وان العقل السياسي في السلطة انشغل بإنتاج الأزمات،فاننا كنّا حذرنا أن بقاءهم في السلطة سيلحق المزيد من الأذى بالناس..وقد حصل في ابعد مديات،وسيتعداها ان بقوا يتحكمون في امور البلاد والعباد. وثالثها،إن العقل السياسي في الزعامات العراقية مصاب بالبرانويا التي تعني بمصطلحاتنا إسلوبا او شكلا مضطربا من التفكير يسيطر عليه نوع شديد وغير منطقي ودائم من الشك وعدم الثقة بالآخر، ونزعة دائمة نحو تفسير أفعال الآخرين على انها تهديد مقصود،،تجسدت بوحشية جاهلية في حرب (2006-2008) التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء لأسباب في منتهى السخافة بينها انهم اوصلوا العراقي الى ان يقتل العراقي لمجرد ان اسمه (حيدر او عمر او رزكار).
والأخطر أنها تجسدت الآن بين التيار الصدري ودولة القانون في مقولة السيد مقتدى الصدر (السياسة..يوم لك ويوم عليك) قاصدا بها السيد نوري المالكي بما جعله يفكر بان السيد مقتدى سيأخذ حيفه منه (مربع!) ليس فقط لأن المالكي كان قد وصف السيد مقتدى باوصاف لاتليق بل ولما فعله بانصاره في واقعة البصرة.. وهي حالة تنطبق عليها تشخيص منظمة الصحة العالمية للبرانويا بأنها ( نزعة لحمل ضغينة مستديمة،ورفض التسامح عن الإهانات او الحيف او الاستخفاف)..تأكدت عبر آخر تصريحات للسيد مقتدى في (18/2/2022)..بقوله كفاكم تهديدا ووعيدا فنحن لن نعيد البلد بيد الفاسدين ،ووصف قيادات قوى في الاطار التنسيقي بانهم وحوش كاسرة.
واذا اضفنا رابعتها بأن العقل السياسي العراقي( قادة احزاب وكتل الأسلام السياسي بشكل خاص) مصاب بالدوغماتية(الجمود العقائدي) التي اعتبرها علماء النفس والاجتماع انها احد أهم وأخطر أسباب الأزمات السياسية والاجتماعية ،عندها تكون توقعات المحللين السياسيين بان المشهد السياسي العراقي الحالي سيؤدي الى التغيير ويقصي الخاسرين في الانتخابات،ويحول مسار العملية السياسية من سكة الطائفية والمحاصصة الى سكة المواطنة..غير واردة،ليس فقط للعقد النفسية في اعلاه،بل ولأن من يوصفون بالخاسرين يتقاضون رواتب شهرية بملايين الدولارات وصاروا من اغنياء العالم ..وأن (الكيد) سيكون هو سيد اللعبة، بينهم من سيدبره بليل ومنهم من سيفعله نهارا جهارا !