طالب عبد العزيز
معلوم أنَّ ضعضعة الدولة العباسية ابتدأت في زمن الخليفة المعتصم بالله، إثر اعتماده على الاتراك، وإدخالهم في الجيش، ومن ثم تماديهم في ازدراء الخلفاء وعملهم على اضعاف الدولة، الذي بلغ ذروته في العصور العباسية المتأخرة، وفترة حكم البويهيين للعراق(334-447) هجرية، وسيطرتهم على بغداد، بما فيها الخليفة العباسي، الذي بات رهين سلطة صورية، لا معنى لها.
ولعل المثير في القضية أنَّ البويهيين ومن ثم السلاجقة كانوا قادرين على قتل الخليفة العباسي، الذي فقد سلطاته، وانهاء الحكم العربي بالتمام، وجعل بغداد تابعة لأي عاصمة يختارونها، إلا أنهم ولأسباب كثيرة آثروا الابقاء عليه، بل و(تبجيله) في خطب الصلاة او قرع الطبول أمام داره وغيرها، مع انفرادهم بالقرارالتشريعي والسياسي والمالي. الامر الذي يحيلنا دونما عناء الى ما يعاني منه العراق اليوم من تدخل الزعماء الايرانيين، ومحاولاتهم في الهيمنة والتحكم بالقرار العراقي.
وفي مقاربة تكاد أن تكون مطابقة، يحدثنا كتاب الدكتور حسين أمين (تاريخ العراق في العصر السلجوقي) بأنه، وفي حفلة العهد الى عضد الدولة البويهي سنة 396 جلس الخليفة الطائع لله العباسي وحوله مئة من الرجال بالسيوف والزينة، وبين يديه مصحف عثمان، وعلى كتفه البردة، وبيده القضيب، وهو متقلد سيف النبي... ودخل الاتراك والديلم ووقف الاشراف وأصحاب المراتب ثم رفعت الستارة فقبّل عضدُ الدولة البويهي الارض، وسجد مرة، وأخرى، وسط ذهول الناس، وحين سئل عن ذلك قال:” هذا خليفة الله في الارض، ثم راح يقبّل الارض، وزاد فقبل يد الخليفة الطائع ورجْله في مشهد شكسبيري، على الرغم من معرفته ويقينه بأنَّ الخليفة لا يملك ايَّ سلطة، وأنه يتقاضى الراتب من عضد الدولة. هكذا كان البويهيون يعظّمون شأن الخليفة في العلن ويحتقرونه في السر.
لو قضت إيران اليوم أمراً باحتلال العراق لاستطاعت، دونما قدرة على ايقاف جيشها، ذي التسليح والمكنة، ولو قضت تركيا ذلك لتمكنت منه أيضاً، لكننا، وفي العودة الى حكم البويهيين والسلاجقة نجدهم فضّلوا الابقاء على (الخليفة) العباسي، المالكي، العبادي، عبد المهدي، الحلبوسي، المشهداني، الخنجر وغيرهم كثير وكثير جداً، معممين وأفندية، قادة مليشيات وزعماء أحزاب... في سياسة حكيمة، تعتمد الطائفية منهجاً، قبل كل شيء، وفي التفريق بين مذهب وآخر، وجماعة وأخرى هكذا، مثلما كان يفعل البويهيون والسلاجقة.
كنتيجة حتمية لكل ضعف للسلطة، وفقدانها قيادة البلاد تظهر حركات يمكننا تسميتها بـ (الوطنية) مثلما شهدنا ظهور التجمعات والحزاب والمجاميع المسلحة وغير المسلحة، التي ظهرت بعد سقوط الخليفة (صدام حسين) هكذا، وكما لو أنَّ الاحداث تنسخ بعضها، كانت قد ظهرت في حكم السلاجقة (حركة وطنية) هي حركة العيّارين، وهم جماعة عُدّوا من أهل الثقة والشرف والامانة، ينتصرون للضعيف ضد القوي، والفقير ضد الغني، لكنهم ومع مرور الوقت وانهيار الدولة، دخل صفوفهم العاطلون والشقاة وغيرهم، الامر الذي ادّى الى أن تصطبغ الحركة هذه بصبغة اللصوصية والعدوان. فسبحان الله.
هل في البلاد من يشبه العيار الشهير (البرجمي) الذي ظهر في عصر السلاجقة واستبد ببغداد من سنة(421- 425 )هجرية والذي بلغ من عظمته ومن عجز الدولة تجاهه أنَّ العامة ثاروا بالخطيب في صلاة الجمعة، وقالوا له إمّا أن تخطب للبرجمي وألا تخطب للسلطان، البرجمي كان قد تعهد بحفظ الامن، لكنه كان يجبي الضرائب في الاسواق ويزيد من اسعار المواخير والقيان لنفسه.كان الخليفة والحاكم السلجوقي ودار الخلافة كلها تستجير وتستعين بالعيارين.
جميع التعليقات 1
عدي باش
ما أكثر العيارين في وقتنا الحاضر ، حيث الجميع يسعى لنهش حصته من الغنيمة متلحفا لباس الزهد و الفضيلة