خاص / المدى
بان منظر زملائه حزينا وهم يبكون بحسرة ويشعلون الشموع على مقعده الدراسي الذي لم يفارقه طيلة أربع سنوات، ولكن القدر كان له كلام آخر ليجعل مقعده شاغراً.
ضياء شاب في مقتبل العقد العشريني من عمره غيبته الثارات العشائرية وانهت مشواره الدراسي قهرا وهو في المرحلة الرابعة من الدراسة الجامعية، حيث كان يأمل كزملائه ان ينهي رحلة دراسية امتدت لعقد وبضع من السنين ويتخرج من كلية التربية الاساسية في جامعة ميسان ويغدو استاذا لمادة الجغرافيا.
يقول منتظر نعمة زميل الدراسة لـ(المدى) "كان ضياء شابا شغوفا بالحياة مفعما بالأمل وكان محبا لزملائه ومواظبا على دراسته ولم تصدر منه اساءة وعلى الرغم من انحداره العشائري لكنه كان منفتحا وكان كثير الانتقاد لبعض العادات والتقاليد في الاقضية والنواحي التي ساد فيها في الآونة الاخيرة منطق القوة ولم يذكر احد الزملاء أن كان لضياء موقف سيئ معه بل على العكس من ذلك". كان في انتظار ضياء يوم الخميس العاشر من شهر شباط اجلا محتوما فلم يعلم ان في مراجعته لدائرة الاحوال الشخصية في ناحية العزير خلاص حياته وارضاء لنشوة الثأر العشائري الذي لازم عائلته منذ سنين لتستقر رصاصات ذلك الثأر في جسد استاذ الجغرافيا المستقبلي ليكون الدم احد تضاريسه وسماته الدالة عليه.
اندلعت اثر مقتل ضياء اشتباكات مسلحة بعد وصول الخبر لأهله في قضاء الكحلاء ذهب ضحيتها اثنان آخران بالإضافة الى رجل امن حاول مع رفاقه فض النزاع المسلح ليغدو شهيدا لواجبه العسكري ليكون الاربعة ضحايا ذلك الثأر الذي قطف زهرة في ريعان العمر. جملة من الاحداث الدموية شهدتها محافظة ميسان في الآونة الاخيرة كانت للاشتباكات العشائرية المسلحة حصة الاسد منها اما اغلب اسباب تلك الاشتباكات فهي الثارات والخلافات السابقة التي لم يصل طرفاها الى حل مرض وطلب الدم، اسباب رئيسية ظلت ملازمة لعشائر الجنوب بصورة عامة. لم تفرق الثارات والنعرات العشائرية بين شخص وآخر ولم تستثن المنظومة التربوية او غيرها حيث شهدت مدينة العمارة مقتل أحد المشرفين التربويين المتقاعدين اواخر شهر كانون الثاني من مطلع العام الحالي بسبب ثأر عشائري كما ذهب مشرف آخر في عام 2017 ضحيته ايضا.
يقول المتابع للشأن الاجتماعي في ميسان جاسم رمضان لـ(المدى) "قضية الثأر احدى اكبر المشاكل التي يعاني منها المجتمع الميساني خصوصا في الآونة الاخيرة وتمادي العديد بسبب توفر السلاح ولم تعد قضية الاخذ بالثأر تخص الجاني او المعلق الثأر برقبته حصرا بل طالت اشخاصا ابرياء تربطهم صلة قرابة بالقاتل حتى وان كان في منطقة ليست بالقريبة من مكان الحدث فطالما رأينا اشخاصا قتلوا بجريرة غيرهم ومن طبقات مختلفة".
القتل بحجة الثأر ضد اي انسان بريء قضية جرّمها القانون العراقي وان كان تعاطف مع اولياء المقتول ضد الجاني او القاتل حصرا وعده ظرفا مخفضا "كل عملية قتل مهما كانت الاعذار تنطبق عليها احكام المادة 406 عقوبات ونصها القانوني يجرم القتل مهما كانت الدوافع واخيرا الكل يقف امام جريمة قتل". يقول المحامي حسن عطية لـ(المدى).
تجمع اصدقاء ضياء في باحة كلية التربية الاساسية وهم يرتدون السواد وكان لزميلهم ضياء مكان بينهم ولكن على قطعة يرفعونها بأيديهم طبعوا عليها صورته معلنين عزاءهم على زميلهم المغدور وهم يطوفون به ارجاء الكلية ويلعنون النعرات المقيتة التي غيبت زميلهم.