متابعة/ المدى
"غازات سامة وسحب من الدخان الكثيف السام تؤرق حياتنا وتسببت في إصابة العشرات من أهالي الناحية بالاختناق"، بهذه الكلمات يروي الحاج عمر ذياب معاناة أهالي الناحية من الغازات التي تنبعث من حقول ومصفى القيارة النفطي جنوب الموصل.
ويضيف ذياب أن "أهالي الناحية نضموا وقفة احتجاجية ضد عمل المصفى والحقول النفطية بسبب عدم اكتراثها بالشروط الصحية اللازمة لحماية سكان المنطقة من مخاطر جمة تحيط بهم يوميا".
وتبعد ناحية القيارة نحو 50 كيلومترا إلى الجنوب من مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) وتضم مصفاة للنفط أنشئت في خمسينيات القرن الماضي ودخلت الخدمة عام 1955، فضلا عن وجود حقلين نفطيين معروفين بالقيارة والنجمة، اللذين تعمل فيهما شركة أنغولية بصيغة استثمارية.
المخاطر
الشائع هو أن من يسكن في منطقة تتمتع بثروات نفطية في باطن أرضها محظوظ جدا، إلا أن لسكان ناحية القيارة رأيا آخر، حيث تحولت هذه النعمة إلى نقمة تؤرق حياة سكان الناحية الذي يربو عددهم على 80 ألف نسمة.
لا تقف مشكلة القيارة عند حد معين مع الغازات السامة، إذ رغم مناشدات سكان المنطقة السلطات الحكومية لإيجاد حل ومعرفة أسباب الدخان والغازات السامة، فإن الإجراءات الحكومية لا تزال بطيئة، وهو ما يشير إليه مدير ناحية القيارة صالح الجبوري.
ويتابع الجبوري أن مشكلة الغازات التي تؤرق حياة السكان في ناحية القيارة قديمة وتمتد لسنوات طويلة، إلا أن حدتها ازدادت كثيرا في الأشهر الأخيرة، مبينا أن إدارة مصفى القيارة وإدارة الحقول النفطية نفتا أن تكون هذه الغازات منبعثة من حقلي النفط أو من المصفى.
وبيّن أن فرقا من وزارة الصحة والبيئة ومن شركة نفط الشمال العراقية زارت الناحية، وأخذت عينة من الهواء وبانتظار نتائج الفحص المختبرية التي ستكشف مكونات الغازات وبالتالي معرفة مصادرها، موضحا أن تأثير هذه الغازات يمتد لمسافات بعيدة عن ناحية القيارة.
من جانبه، يؤكد الصحفي من ناحية القيارة ستار المحل أن وتيرة انبعاث الغازات السامة وتأثيراتها ازدادت حدة في الشهرين الأخيرين عقب استئناف عمل المصفى والحقول النفطية أعمال التصفية والاستخراج إلى الحدود القصوى.
تفاقم الوضع
وبيّن المحل أن هناك تسربا كبيرا للغازات السامة من المصفى بسبب تقادم المصفى وتهالكه، وأن التأثيرات امتدت إلى الأهالي عبر إصابة العشرات بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض السرطان وخاصة بين الأطفال، مبينا حدوث العديد من الوفيات دون اعتراف السلطات بذلك، وفق تعبيره.
وأضاف أن المشكلة تكمن في عدم مراعاة الشروط الصحية في حقلي القيارة النفطيين من خلال عدم استخدام المرشحات اللازمة خلال إحراق الغاز المصاحب للاستخراجات النفطية والتي تتولاها الشركة الأنغولية المستثمرة للنفط في القيارة المصنف عالميا بأنه من النوع الثقيل الذي يحوي كميات كبيرة من الكبريت مما يتسبب في إطلاق غازي الميثان وثاني أوكسيد الكبريتيك عند استخراجه.
من جانبه، أكد النائب في البرلمان العراقي منصور المرعيد أنه طالب وزارة الصحة والبيئة ودائرة صحة نينوى بالوقوف على مصدر هذه الغازات، مبينا أن الوزارة أرسلت لجنة متخصصة بمعدات حديثة، واستطاعت الحصول على عينة من الهواء في الناحية لأجل تحليلها واستخلاص النتائج.
وأضاف المرعيد المنحدر من ناحية القيارة في حديثه لإحدى وسائل الإعلام العراقية، أن أهالي الناحية لا يزالون بانتظار النتائج المختبرية من أجل الشروع في إجراءات رسمية لمفاتحة وزارة النفط.
نفي حكومي
ويذهب في هذا المنحى مدير مصفى القيارة عزام الجبوري، الذي أشار إلى أنه فور شكوى أهالي الناحية من الغازات استدعت إدارة المصفى 3 فرق بيئية من شركة مصافي الشمال ومن دائرة بيئة نينوى ومن شركة نفط الشمال، وجميع الفحوص المختبرية لهذه الفرق لم تسجل مخالفات بيئية في المصفى.
وأوضح الجبوري أن هناك غازات في أجواء الناحية لكنها لا تزال ضمن المحددات البيئية الموصى بها من وزارة الصحة والبيئة ومن قبل وزارة النفط الاتحادية، وأنه رغم قدم المصفى، فإنه يخضع بصورة دورية لعمليات صيانة واستبدال للمعدات التالفة.
وبالذهاب إلى إدارة مستشفى ناحية القيارة فقد رفضت تأكيد وجود حالات تسمم أو أمراض سرطانية داخل الناحية بسبب الحقول النفطية أو مصفى القيارة، إلا أن العديد من الأطباء في المستشفى -الذين اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم- أكدوا أن المستشفى يستقبل أسبوعيا العديد من حالات التسمم بسبب الغازات السامة التي تنفثها الحقول النفطية.
وكشف طبيب يعمل في مصفى القيارة فضل عدم الكشف عن هويته، أن هناك العديد من حالات الاختناق والتهابات الجهاز التنفسي الحادة الناتجة عن الغازات السامة، مؤكدا أن ناحية القيارة سجلت خلال العامين الماضيين اكتشاف العديد من الحالات السرطانية بين الأطفال وكبار السن دون تحديد أرقام محددة.
وتكشف جهات عشائرية نافذة في ناحية القيارة أن مصدر الغازات السامة في ناحية القيارة يتمثل في الحقلين النفطيين اللذين تسيطر عليهما جهات نافذة إضافة للشركة الأنغولية، إذ إن عمليات استخراج النفط تجري بصورة يومية، وأن طريقة الاستخراج تفتقر للمعايير البيئية الصحيحة، حيث يُعمد إلى تحميل النفط من الحقول إلى الناقلات الحوضية (مركبات الحمل) بصورة مباشرة دون مرور النفط المستخرج بمراحل عزله عن الغاز المصاحب الذي ينفث الغازات السامة، في إشارة لوجود عمليات استخراج وبيع للنفط بصورة مخالفة للقانون.
هي نعمة باتت لدى سكان ناحية القيارة نقمة دائمة في ظل استمرار تلوث أجواء المنطقة بالغازات التي تؤرق معيشتهم في بلد يسجل تدهورا كبيرا في القطاع الصحي والبيئي.
المصدر : الجزيرة نت