طالب عبد العزيز

كثيرا ما تُشركُ الحكوماتُ في العالم في مشاريعها العمرانية النخبَ الادبية والفنية، وتستشير الاساتذة الجغرافيين والمؤرخين، لئلا تقع في اخطاء، قد يغفلها المهندس المدني. هناك جدلية قائمة على أساس الحفاظ على الهوية المحلية، الأمر الذي لا نجده في أعمال البلديات في البصرة وغيرها من مدن العراق اليوم،

ولعل ما قامت به الشركة التي نفذت توسعة طريق ابي الخصيب بقبة الشيخ محمد ابي الجوزي الشاهد على ما نذهب اليه، بعد أن أزالت قبّة الضريح الطينية، والمبنية قبل ما يزيد عن 250 سنة، واستبدلتها بقبّة بيضاء من الفايبركلاس مشوّهة، صنعها شخص لا يعي معنى التاريخ، ولا أهمية التراث أو معنى الحفاظ عليه.

وسواء أحسنا الظنَّ بما تقوم به الحكومة المحلية من مشاريع، بعلمها أو بدونه، أو أنَّ الامر لا يخلو من مخطط مرسوم، يهدف الى محو تاريخ المدينة، وتغيير وما كانت عليه من صبغة اجتماعية، فهي واقعة في أخطاء لا يمكن السكوت عليها، ولعل ما يتحدث به العامة وفي مواقع التواصل عن نيتها بهدم منارة مسجد السراجي الاثرية يأتي ضمن ما ذهبنا اليه في التخبط واللاأبالية، أو القصد الواضح في تدمير تراث المدينة، وطمس هويتها، حيث يبدو أنها تجهل ماذا تعني المنارة هذه للفضاء المحيط بها، من الناس والمدونات والصور، غير مبالية بمئات الاصوات، التي لهجت بذكر الله في صلواتها، وعظم نداءات لا إله إلا الله، محمد رسول الله، التي عرجت من مئذنتها عبر أكثر من ربع قرن من الزمان.

وزيادة في التوضيح نود أن نخبر الجهات التي تنوي هدم المسجد والمنارة نقول:” بأنَّ باب السراجي هو واحد من ابواب البصرة الخمسة(باب بغداد، باب المجموعة، باب الرباط، وباب الزبير) وأنَّ دروازة السراجي كانت تقع داخل قلعة البصرة” وأنَّه، وحتى وقت قريب كانت هناك قلعتان عثمانيتان، عند مدخل نهر السراجي، وأنَّ عشرات الدونمات الزراعية كانت موقوفة على مسجد السراجي، وعلى مبعدة امتار من الجسر كانت هناك دائرة الجمارك في الدولة العثمانية، وأنَّ الشيخ عبد القادر باش أعيان في خططه يقول:”.. وجاء في شرح مقامات الحريري للسمعاني (المصدر مقامات الحريري مخطوط(65 أ)في المكتبة العباسية إنَّ سَرُوج هي قرية من قرى البصرة تعرف الان بالسَّراجي، ولقبت بذلك لوجود العلماء والزهاد الذين هم سُرُجُها. فالشيخ عبد العزيز المرجاني والشيخ نصر السمّان سراجا القرية المذكورة، وكان ابو زيد السروجي، الشخصية المحورية في مقامات الحريري من احفاد السمّان، أحد سراجات المسجد المراد هدمه.

بقي أن نقول: معيب جداً على الحكومة العاجزة عن مجابهة اصحاب البيوت المحاذية للمسجد، ومعيب أنها فشلت في اقناعهم بتعويض مالي، ثم راحت تستأسد على دائرة الاوقاف، وتهمُّ بهدم المسجد التاريخي بمنارته الاثرية. ولعل من المفيد التذكير بأنَّ بلدية البصرة في ثمانينات القرن الماضي أبقت على جامع ومئذنة الكواز التاريخية حين أرادت توسعة الشارع المحيط به، فهي اليوم مطالبة بالابقاء على مئذنة وجامع السراجي مهما كان الثمن.