علوان السلمانالادب عبر فنونه تصوير الافكار والمشاعر والتجارب في صور تنبض بالحياة فيحولها من عالمها التجريدي الى عالم تجسيدي بالوسائل الفنية الخاصة به لتحقيق غاية إنسانية واجتماعية.. والعملية الابداعية مهما اختلفت اشكالها وتباينت اهدافها هي عملية فنية خلاقة تسجل إنسانية الإبداع منطلقة من واقعها وتحقق إنسانية المبدع الإنسان منبثقة من خياله وفكره..
لذا يتوجب على الاديب ان يوجه ويمتع في آن واحد بمجاراة الحياة بصدق لكي يكون اقدر على أداء رسالته الإنسانية.. والطفل (المواطن القادم) كما يقول ارسطو له رغباته الآنية والمستقبلية.. وله شعور واحساس خاص باستلهاماته واكتشافاته من خلال المعرفة (المقروءة والمسموعة) التي تثري فيه روح الخيال والابداع.. ومن ثم دفع عجلة المعرفة الإنسانية والمساهمة في تنشيط حركتها.. حتى ان الفلاسفة والمفكرين وجدوا ان الطفل فنان قادر على التذوق والانتاج.. وادب الطفل الذي يشكل جزءاً مهماً من الحياة يرتبط كلياً بحركة الادب.. لكنه يتميز بخصوصيته.. اذ يتطلب دراية وخبرة بنفسية الطفل ومتابعة التطورات التي تطرأ عليه خلال مراحل نموه.. لذا يجب ان تكون المعارف الإنسانية المقدمة له تنفرد باسلوبها الملائم والمنسجم وسني عمره ووعيه ودائرة معارفه كي لا يشعر بانفصاله عن واقع الحياة.. اذ انه (كالعالم يتغير بتغيره) كما يقول دوستوفسكي.. وشعر الاطفال الذي هو تشكيل لثقافة الطفل التي هي جماع الخطاب الثقافي الموجه له بفنونها واجناسها الادبية وبوسائطها الثقافية المختلفة كغيره من الفنون لا يختلف عنها الا بوسيلة التعبير وهي الكلمة المقروءة والمسموعة والتي تتشكل من مفردات مموسقة تمتاز ببساطتها وواقعيتها وخيالها.. مع توافر عنصر الجمال الفني وفكرة متكاملة يمكن اتخاذها أساساً للتذوق الادبي والفني عند الطفل.. كونه بحاجة الى اذكاء افكاره ووجدانه بخبرات نقية وكلمات ايقاعية مسجوعة هادئة لا يشوبها الرمز.. بل المباشرة والعفوية.. تخرج من اللسان وتجد مكانها في قلبه وفكره محققة هدفها التربوي والإنساني والروحي.. كون تأثير الشعر في الطفل يعتمد عوامل عدة يأتي في مقدمتها ما يتعلق بشخصيته والبيئة لتحقيق غاياته في تهذيب النفس وبناء الشخصية وتوجيه السلوك ومن ثم زيادة الثروة اللغوية والاسلوبية عنده.. كون الشعر وسيلة محببة وفاعلة لتعليم اللغة واطلاق امكاناتها الابداعية التي تمكن الطفل من اكتساب القدرة على تقدير نواحي الجمال في الافكار والتعابير اللغوية البليغة.. وعبدالله كوران من أولئك الشعراء الذين اغنوا عالم الطفولة شعراً.. فكان شعره يختلط فيه الواقع والحلم والمحسوس والمعقول والحقيقة والخيال.. يجمع بين اللفظة الموحية والصورة الشعرية الرقيقة والفكرة النبيلة.. لذا فهو شعر يجمع بين سهولة الغناء والحفظ كون كوران عاشرهم معلماً ومربياً.. فعكس مشاعرهم وافكارهم باسلوب شاعري.. واقعي.. فني.. اغترف مادته من منابع الحياة وصبها في بودقة القصيدة فاخرجها بصور سحرية تحمل بين طياتها غنائية مبسطة ومضامين انسانية نابعة من طفولته التي نظمت الشعر وتنامت مع نمو فكره ومهاراته الفنية باستخدام مفردات سلسة ذات موسيقى هادئة.. خفيفة على السمع.. مدغدغة المشاعر بمضامينها الوطنية والتربوية.. كونه يعي ان هذه المهمة لن تكون ممكنة وذات تأثير الا اذا كان هذا الادب ذا مرونة وانسيابية. انا طفل.. انا طفل.. نصير للسلام! وثم شرط علي ما بقي ان أغني للسلم بلساني الريان فالسلم نور عيوني انا طفل.. انا طفل.. نصير السلام / الاثار الشعرية الكاملة ص 443 فواقعية كوران تتحدد في شعره بتصويره العميق لمجموع حياة الشعب وفضح قوى الشر من خلال ابداعه في الاشكال الادبية التي طرح فيها مضامينه الانسانية وخاصة المخاطبة لذهنية الطفل.. باعتبار الاهتمام به مسؤولية اجتماعية تتطلب التوعية والتعليم والتهذيب والمتعة.. ومن ثم توفير غذاء روحي –وجداني على مختلف مراحل النمو العقلي للنهوض بعالمه.. كون ذلك يشكل مظهراً من مظاهر التطور وجزءاً فاعلاً من التقدم الحضاري.. اذ ان الشاعر يعي ان ادب الطفل يتطلب استجابات لميوله في التخيل والاكتشاف والتوق الى معرفة ما حوله.. لذا كانت قصائده تؤكد على (السلام والطبيعة والحيوان..) آه يا ابي الحبيب ها هو الثلج يتساقط فانظر لم يبق موطئ قدم في ساحة البيت قطعة قطعة يتساقط ابيض جميلاً وتأتي به الريح حبة حبة الى الايوان كأنها ارياش خفيفة لغول او سيل من فراشات السماء (الاثار الشعرية الكاملة) ص 455 فالشاعر بخياله وعواطفه استطاع ان يوظف الطبيعة وعناصرها ومشاهدها توظيفاً واقعياً واعياً من الناحية الفكرية والنفسية والفنية والجمالية.. مياو.. مياو.. مياو.. مياو.. اركضي هادئة.. ناعمة ياقطة بضة.. نظيفة الفم والخيشوم يالفاف حرير تنبض بالحياة عيونك فيروزة.. ذيلك صل صغير اركضي.. اركضي.. تعالي الى حضني (الاثار الشعرية الكاملة) ص 452 فادب الطفل لا يعرف الا العلاقات الانسانية والروحية وحب الطبيعة وموجوداتها التي من حولنا.. لذا فان ابرز ما يميزه انه يعيد الانسان الى الطبيعة.. فاذا هو صديق (الاشجار والعصافير والفراشات والقطط..). والشاعر كوران يعرف بشكل واع ودقيق ان الطفل فنان بارع يستطيع ان يخترق الافاق بخيالاته وافكاره مع قدرة فائقة على الت
عبداللـه كوران وقصيدة الطفل
نشر في: 23 يونيو, 2010: 04:31 م