حسن ناصر ها نحن نحتفل بالشعر مرة أخرى واحتفالنا بالشعر لا يأتي معزولا عن مدياته الإنسانية والاجتماعية الراهنة بل نحن في الواقع نرى الشعر في هذا المقام باعتباره مساحة للالتقاء والمحبة، باعتباره وسيلة لتعميق فهمنا للآخرين والوقوف حيث يقفون ورؤية ما يرون.
بهذا المعنى يكون الشعر جسرا للعبور الى الآخر واستكناه ذاكرته. لقد احتفلنا بالسياب في السابق مركزين على ما اجترحه من تجديد في الشعر المكتوب بالعربية ونحتفل اليوم بشاعر مجدد آخر غامر خارج التقاليد الشعرية في الكردية. لكن هذا لا يجمل ميزات كوران كلها . كان كوران مؤسسا في رؤيته لوظيفة الشعر ودوره كشاعر. كان ثائرا متعاطفا مع الضحايا في كل بقاع الأرض ويدعو الى الأخوة والعدالة ويرى في الشعر وسيلة لنصرة الفقراء. أناشيده كما يقول الدكتور عز الدين مصطفى رسول كانت تسري سريان النار في الهشيم بين الناس في كردستان ليس لقوتها التعبيرية فقط بل لدعوتها الجريئة الى التحرر والعدالة.إن كوران واحد من ابرز ملامح الأدب الكردي وهو الحلقة التي وصلته بالإنسانية وبتطلعات الإنسان حيثما كان. هذا في رأيي هو أهم سمات شعر عبد الله كوران الخروج من إقليمية بعينها إلى شمولية الهوية الإنسانية والتطلع ليس لتحقيق هدف قومي بل هدف انساني نبيل ومد الخيوط للاتصال بمعاناة الانسان على هذا الكوكب. كذلك فالاحتفال بهذا الشاعر ينطوي على أبعاد أخرى. لقد كان كوران على صلة متينة بالشعراء العراقيين العرب بل لم يدخر جهدا في التعبير عن الاخوة التي تجمع العربي بالكردي. كان هذا في زمن لم تصل فيه الجرائم إلى الحد المروع الذي شهدته السنوات اللاحقة والحملات التعسفية البشعة التي مورست ضد الكرد . من يطلع على حياة كوران وخاصة مع رفاقه الشعراء في بغداد سينتبه حتما الى حقيقة مؤلمة ؛ في خمسينيات القرن العشرين كان المثقفون في العراق طليعة ترسم دروب الحوار والسلام والتكاتف لكننا نرى بعد نصف قرن خواء الساحة من هذا التوجه وسيادة العزلة والكراهية.هل نجح المتخلفون الذين قادوا سياسة العراق لعقود خلت بعقلية عشائرية ضيقة في تهديم ما بناه المثقفون وأحالوا جهودهم الفذة الى نوع من العبث! نرى الآن الأطراف كلها دونما استثناء تغلق دوائرها على ذواتها وتربي كراهية عقيمة لا تؤدي إلى شيء. هذه هي الفاجعة الحقة.إن احتفالنا بكوران هو في حقيقته احتفاء بدور المثقف الذي يحاول أن يمد الجسور كي يصل إلى الآخر وأن يسمع آلامه وينصفه. هو احتفال بسيط بالمحبة بينما جيوش الطبالين تقيم في كل يوم عيدا للكراهية.rn*شاعر وناقد عراقي مقيم في استراليا
في مديح شاعر الشعب كوران
نشر في: 23 يونيو, 2010: 04:36 م