د. عز الدين مصطفى رسولكتب صاحب تاريخ الادب الكردي في مقدمة كتبها في حياة كوران للطبعة الاولى لديوان الدموع والفن يقول: "...عندما برز بيننا شاعر كبير في النصف الاول من القرن العشرين،ولم يهتم بأي صعوبات وانتقادات منح فجأة حرية حقيقية لأوزان الشعر وحرره من قيود القافية.. نعم أنقذه ولكنه لم يفقد حنينه للشعراء القدامى تماماً، بل تحدث مثلهم في ما يماثل دربهم.
شاعرنا هذا هو كوران، اتبع كوران في اسلوب شعره الاسلوب الغربي وكان هدفه الوحيد التعبيري عن الخيال وصنع معنى الشعر، لا اللفظة الشعرية وحدها. تخص كلمات السجادي هذه المرحلة الرومانتيكية لشعر كوران ، ولهذا يستمر قائلاً: "ان الشاهد على هذا الاعلان، هو ديوانه هذا، فنراه مظهراً لجمال الطبيعة في مكان ما، معبرا عن خواطر قديمة بمشاعر صافية في مكان اخر، مقربا اياك في بعض المواضيع من نوع من الخيال لا اظن الريش في اجنحة الحور اجمل منها. ويتحدث رفيق حلمي عن هذه المرحلة من شعر كوران ايضا فيقول: "...ان كوران لم يضع حب المرأة والجمال جانباً، مثله في ذلك سائر شعراء المدرسة القديمة (المدرسة الكلاسيكية) فنظم اشعاراً غرامية كثيرة، غير ان اشعاره تختلف عن اشعارهم بعد السماء عن الارض.. فانها لاتحتوي على تقليد، فقد بدل المعنى نهائيا ايضا، ووضع له سبيلا جديدا أي انه قام بـ (انقلاب) في دنيا الشعر وفي الشعر الكردي خاصة، وهدم كوران بهذا الانقلاب مدرسة الشعراء القدامى تماما، وقلب دنيا الشعر الكلاسيكي رأسا على عقب. ولكن رفيق حلمي نفسه اشار الى ان كوران قد خطا في مرحلة الشعر الرومانتيكي ووصف المرأة والطبيعة نحو الواقعية وكتب لذلك يقول:ولكن كوران عندما يريد التحدث عن سواد العين والاهداب.. او الضفائر (حواجب) الحبيبة، فهو ماهر وشاعر في ذلك اذ يقول: أي سواد يضاهي سواد عينيها؟ وأهدابها وحاجبها وشعرها المرسل؟ وكتب كذلك: ..يقول كوران باسلوبه الشاعري: فأي نجوم زاهية، وأي ازهار برية تضاهي حمرة خديها، وحلمتيها وشفتيها؟ ما من شك ان الشيخ رضا الطالباني كان الشاعر الاول لزمانه ويمكنني القول انه لانظير له في بعض الجوانب، وخاصة اشعاره التي نظمها باللغة الكردية فهي من نوع (السهل الممتنع) وهي نموذج راق من (البلاغة) قال هذا الشاعر المشهور في وصف قامة حسناء: ما السرو ما الناي كي يخصما قامتك خسئ الناي ونطح السرو رأسه بالحجر لا أرى وصفا اجمل واكثر معنى واكمل صنعة ادبية من هذا، ولكنني انظر الى هذا البيت لكوران اذ يقول: واي علياء أبهى من شموخ قامتها؟ واي شعاع يقارب شعاع الطرف منها؟ انه على درجة من البساطة والسلاسة وينعدم فيه تزويق الكلمة والعبارة الاجنبية (المنفوخة) انه على درجة من الجمال والحلاوة والنصيب من الذوق الادبي، لانه (واقعي) ولم يأخذ قيمة (جمال المعنى) من المبالغة والخيال. يتجه رفيق حلمي في مجال هذه الاحكام الى بيت اخر لكوران ويصدر حكماً مماثلاً على واقعية كوران: ولهذا فهو يقول: ولكن الطبيعة تخلو ابداً من النور، ان غابت عنها بسمة الحبيبة وبعد ان يعدد كل صور الجمال في الطبيعة ويحضرها امام أعيننا، ويفهمنا ان كل ذلك جميل وحلو ومضيء لدرب الحياة، يعود فيقول: مع ذلك فإن جميعها لا تضيء القلب من دون بسمة الحبيبة. يريد رفيق حلمي ان يعتبر كوران واقعياً منذ ذلك الزمن لإتيانه بحقيقة الحياة والمجتمع وتصويره اياها بريشة شاعر فنان، وهذه خاصية من خواص الواقعية الجديدة، كتب رفيق حلمي في هذا الخصوص يقول: ..تحدث كوران عن الواقع اكثر من أي شيء ورسم لنا لوحات كثيرة من حياة المجتمع الكردي، ولكن هذه اللوحات التي ترينا (واقع) شعبنا وهي صحيحة اقتبست شيئا من الخيال ايضا ، ولكن هذا الاقتباس لم يخرج من حدود الضرورة (الفنية). يجعل الكاتب من (الوردة الدامية) دليلاً لهذا الحكم وبعد ايراد نماذج كثيرة يقول: ان كوران شاعر (فنان) وواقعي ودون ان نأبه او نشك في قولنا هذا نقول ان كوران شاعر واقعي وفنان في الحقيقة، هو شاعر اغترف اشعاره، من منبع الحياة، أي من الحياة الاجتماعية للكرد وصبها في بودقة الادب اخرجها لنا في هذه الصورة السحرية المحيرة التي تسمى شعراً .. يشير الكاتب الى معرفة التركية والانكليزية – التي صقلت الى جانب تعلم الفارسية منذ الطفولة الموهبة الفنية لكوران.. مثل شعلة قوية ومنيرة.. واضاءت الجوانب المعتمة في قلبه وفكره.. ويجعل منها دليلا على كسره لقيود التقليد ويعتبر كوران رائدا ويقول: ..وضع كوران لنفسه مبدأ جديداً في الشعر. يجوز لشعرائنا وادبائنا الجدد ان يقلدوه ويسيروا على هديه.. اذا كان هذا رأي كاتب وناقد رائد مثل رفيق حلمي فيمكننا ان نتبعه قائلين: ..ان كوران الشاعر، هو واحد من اعاظم شعراء الأمة الكردية في مجمل تاريخ الادب الكردي..ولاتكمن عظمته في احتلال شعره لموقعه في صف نتاج الشعراء الكبار في العالم بل تمكن في شيء اخر يندر مثله في تاريخ الادب العالمي، فقد ظل كوران منذ ان بدأ ينظم الشعر فتياً يتطور وتتنامى قدرته الابداعية ، ومهارته الفنية، وتتطور مضامينه الشعرية تطوراً خلاقا، وفي كل هذه المسيرة والتدرج في سلم المدارس الادبية المعروفة، كان رائداً لشعراء المدرسة التي تعكس بإبداع مميزاتها، ولم ينفك لحظة من التجديد المستمر، الذي
إبداع عبد اللـه كوران
نشر في: 23 يونيو, 2010: 04:42 م