علي حسن الفوازفي الأدبيات السياسية ثمة من يقول ان صناعة المجتمع السياسي ترتبط بصناعة الدولة، وان صناعة المجتمع المدني ترتبط باشتراطات صناعة الدولة أيضاً.. لكن السؤال يكمن في الكيفيات والآليات التي تصنع بها الدولة الجامعة الحاضنة للفعاليات والمؤسسات السياسية والثقافية والاقتصادية،
والتي يمكنها ان تكون البيئة الحقيقية لتشكيل السياقات التنظيمية والحقوقية للجماعات بما فيها الجماعات السياسية التي افتقدت طوال عقود طويلة الإطار الذي ينتظم فيه وجودها وهويتها، والتي جعلها دائما ولحد فترة قريبة تشكل التهديد الأكبر لمشروع الدولة الديمقراطية، لان مرجعيات هذه الجماعات كانت تكمن في نزعاتها الانقلابية العسكرية والإيديولوجية، وفي جذور ثقافاتها السرية الخاضعة للعصبيات الطائفية والقومية.النظر إلى مفهوم الدولة واليات صناعتها هو الفيصل في التعاطي مع ظاهرة الدولة في سياقها الاجتماعي والسياسي، وفي سياق تنظيم فاعلية المجتمع لإسناد هذه الدولة وسيرورتها، وبالاتجاه الذي يجعلها الأساس في تعزيز مكونات هذه الدولة وهويتها العامة،، وفي حمايتها للمجتمع ذاته في إطار وجود هويات ثانوية تحتمي بالدولة الجامعة ولا تشكل مصدر تهديد لها. أن تشوه الدولة وضعف بنيتها واختلال المسارات المؤدية الى صناعتها الثقيلة ينعكس عبر تشوه دور الجماعات داخل المجتمع، وضعف استعداد هذه الجماعات لصناعة المجتمع السياسي القرين بمفهوم الدولة، ولعل اضطراب دور الجماعات وانخراطها في صراعات اثنية او قومية أو حتى سياسية، يعني تشوه وجود البنيات المجتمعية، وبالتالي تشوه أية فعالية لاصطناع واقع يؤمن وجود مؤسسات حقيقية للدولة.هذا التلازم يعني الكثير، ويعني ضرورة التوافر على الأسس الكفيلة بمعالجة أزمة (الدولة) والعمل على دعم كل الفعاليات التي من شأنها ان تؤدي إلى تعزيز القوة الاعتبارية للدولة عبر إشاعة ثقافة الدولة وسط جمهور اختلطت لديه مفاهيم الدولة والسلطة، وعانى طويلا من أزمة وجود مؤسسات الدولة الفاعلة، مقابل وجود المراكز السياسية المهيمنة(الحاكم، الحزب، المعسكر، الايدولوجيا، القبيلة) فضلا عن العمل على خلق لوبي نخبوي ضاغط(جماهير، منظمات مجتمع مدني) لدعم فعاليات سلطات الدولة الثلاث(التشريعية والتنفيذية والقضائية) والعمل على تكامل ادوار هذه السلطات، اذ لا نجاح للدولة في سياقها الواقعي خارج دعم السلطات، ولا نجاح لفعاليات السلطات دون الإيمان بضرورة الدولة الحامية للمجتمع وحتى للجماعات المتعددة. ان تشوه دور سلطة من هذه السلطات بعينها يعني تعويق عمل سلطة أخرى، وتلكؤ عمل سلطة أخرى يعني تلكؤ عمل السلطات الأخرى وربما يعدّ خرقا للتكامل في عمل الدولة، وهو ما يحدث الآن للأسف في الكثير من فعاليات هذه السلطات في واقعنا السياسي ولأسباب متعددة، بعضها يتعلق بضعف وجود ثقافة الدولة داخل العقل السياسي العراقي، وبعضها يتعلق بضعف الخبرات الإدارية والسياسية والتنظيمية التي تتعلق بتوصيف الدولة وقوننة وجودها التشريعي والإجرائي، وبعضها يتعلق بطبائع انتخابية، او لحسابات ومصالح حزبية ضيقة، فعدم إقرار الكثير من القوانين في مجلس النواب السابق عن التنفيذ، والتلكؤ بمناقشة خطط مهمة او عمل هذه الجهة او تلك خاصة في مجال الخدمات العامة، يكشف خللا كبيرا في البنية التشريعية التي تعدّ الأساس لعمل السلطات الأخرى، فضلا عن الخلل في السلطة القضائية وضعف معالجتها للكثير من ملفات الأمن أسهم هو الآخر في إثارة العديد من الأسئلة حول الواقع القانوني الكافل لوجود الدولة إزاء تحديات خطيرة تواجه وجودها وبقاءها، بدءا من ظاهرة السجون وملفات الموقوفين المتأخرة وانتهاء بحساسية الأحكام التي تطلقها المحكمة الاتحادية حول العديد من الملفات وآخرها الأحكام الخاصة بتوصيف الكتل الفائزة في الانتخابات النيابية، وكذلك مصير المقاعد التعويضية وعائديتها للقوائم الفائزة او الخاسرة.السلطة التنفيذية وقعت هي الأخرى ضحية لهذه المعوقات، واحسبها أضحت الأكثر معاناة في مواجهة تصدعات الملفات الأمنية والسياسية والخدماتية، لان المواطن المتضرر من هذه المعوقات وضعف الخدمات لا يجد أمامه سوى مؤسسات الحكومة بكل مستوياتها الخدماتية والأمنية، والإعلام لا يجد أمامه سوى هذه المؤسسات لتحميلها المسؤوليات الكاملة عن بطء تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى وعدم تنفيذ القوانين التي تنشّط العملية السياسية وبناء الدولة الديمقراطية.. ورغم ضعف مؤسسات السلطة التنفيذية وضعف إمكانياتها المادية والتخطيطية، ألا أن سوء أدائها يعني وجود مركب من الإشكالات والتعقيدات الذي يرتبط بأزمة السلطات الأخرى خاصة في المجال التشريعي والذي يدخل أحياناً في صلب تشكيل الإطار العملياتي للسلطة التنفيذية من خلال تعطيل الموازنات الداخلة في إدامة الجهد البرامجي والخدماتي.ومن هنا نجد ان صناعة الدولة تواجه تعقيداتها الخطيرة من خلال طبيعة ما يتشكل من ارتباكات وتشوهات تطال عمل السلطات وضعف تكامل أدوارها، وضعف قدرتها على صناعة الأجهزة الإجرائية في مؤسساتها والتي يمكن ان تحسّن صورة الدولة كمنظومة اجتماعية وسياسية،
الرحيل الـى الدولة
نشر في: 23 يونيو, 2010: 04:51 م