علاء المفرجي
«خذني الى السينما» هو الفيلم العراقي الذي سنحت لي فرصة مشاهدته في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وذلك ضمن برنامج روائع عربية، ليدخل حومة المنافسة على جوائز المهرجان، وهو من إخراج المخرج الباقر جعفر،
وقد لفت هذا الفيلم انظار النقاد والجمهور للغة السينمائية الجميلة والمعالجة الذكية لموضوعة الفيلم، حيث يروي الفيلم رحلة المخرج بقراءة رواية كتبها الروائي العراقي نصيف فلك عن حياته قبل 30 عاما، ليكتشف أن حياة الكاتب تكرر نفسها لكن بطلها الآن هو المخرج، يلتقي بالكاتب الذي يحلم أن يصبح ممثلاً عالمياً في السينما لكن الحرب وضعته على طريق طويل، يواجه باقر حيرة كبيرة في البقاء داخل بغداد، أو أن يفعل مثل ما فعل الكاتب ليحقق حلمه ويهرب، فيقرران تصوير ما حدث بالفعل مع الكاتب في الماضي على أمل تلاعبهم بالأحداث بما يغير شيئا من الواقع الذي يكرر نفسه، لكن هل يهرب المخرج من بغداد مثل ما فعل الكاتب في النهاية؟.
اعتمد المخرج في فيلمه الوثائقي هذا تلك المقاربة بين الروائي فلك، وهنري بابيون (ستيف ماكوين) الذي اتهم في جريمة قتل ظلما، وحكم عليه فيها بالسجن مدى الحياة وأودع بالسجن في جزيرة غويانا الفرنسية بجنوب أمريكا، ويبذل جهودا مستميتة من اجل التحرر من السجن، مع حياة الكاتب الذي خاض تجربة الحرب في الثمانينيات، وأودع السجن لاكثر من مرة.. ونصيف فلك يعشق السينما، ومن الطبيعي ان يكون “بابيون” شخصيته السينمائية المفضلة، بل مثله الاعلى في محاولاته الافلات من كارثة الحرب وتداعياتها ومن قمع السلطة الديكتاتورية.
بموازاة هذه الاحداث يطرح المخرج جعفر قضية تدمير صالات السينما إبان الحرب ويتساءل لماذا حدث هذا؟، ليجد الجواب من نصيف فلك في أن: (السينما مثلها، مثل الانسان نالها الدمار).
وفي واحدة من أهم مشاهد الفيلم وهو المشهد الذي تظهر فيه زيارة المخرج والروائي، الى احدى صالات العرض في بغداد –سينما غرناطة- ليطلعوا على حجم الدمار الذي نالها، وسط حسراتهم وأسفهم على ما وصلت اليه هذه الصالة التي كانت تعد من الصالات التي ترتادها العوائل البغدادية يوما ما، وقبل ان تنشب اظافر النظام في احشاء ما تبقى من الجمال، وهو مشهد تعاطف معه الجمهور الذي حضر الفيلم، ويذكرنا هذا المشهد بدخول البطل سالفاتور دي فيتا في فيلم جوزيبي (سينما بارديسو) ، الى صالة السينما بعد 30 عاما من خرابها.. وهو يبدو كان مشهد تناص مع مشهد فيلم تورناتوري.
الفيلم أعتمد على مجاورة تجربة الكاتب، وتجربته هو شخصيا، حتى أن المتلقي لا يمكن له أن يميز، سيرة من التي يتناولها المخرج ؟ رغم أن السيرة لم تكن شاغل المخرج، في هذا الفيلم، قدر انشغالة بمأساة الحروب، وتسلط نظام يهندسها. فتجربة نصيف فلك وتفاصيل حياته التي عاشها في الحرب، وندوبها التي وسمت روحه، تحكي لنا أي كارثة ومأساة هي الحرب، التي لخصها باقتدار في روايته الشهيرة (خِضِر قَدْ و العصر الزيتوني) التي تعد إحدى أهم الروايات التي كتبت عن حرب الخليج الاولى، بل هي سجل تاريجي لمأساة وطن وشعب تحت سلطة نظام قمعي، قادهما الى حروب عبثية جرت على البلد والشعب ويلات كثيرة.
وبذكاء وخيال واسع استثمر المخرج الباقر جعفر، حكاية بل مأساة فلك، في (خذني الى السينما)، حيث وجد فيها تبريرا لما تعرضت له عائلته من قسوة النظام، وكأنه يتحدث عن تداعيات المأساة وهي تصل الى الجيل الثاني.