علي حسين
لم تكن الفتاة السمراء البشرة التي ولدت في بغداد وعاشت طفولتها في الناصرية وصباها في الكوت، وشبابها في أروقة دار المعلمين العالية، ودرّست الأطفال في الأنبار تعلم أنها ستغيّر اسمها ذات يوم من فخرية عبد الكريم إلى "زينب"، وتقف إلى جانب فنان الشعب يوسف العاني في سعيد أفندي وخليل شوقي في النخلة والجيران لتروي حكايات العراقيين، وتنقل لنا صوراً عن نضال المرأة العراقية..
إسمحوا لي إذن في هذه الزاوية المتواضعة أن أتذكر اسماً تاه عنا، لكنه لن يتيه عن ذاكرة الوطن ، نتذكر زينب الفنانة والإنسانة والمناضلة.
بعد 24عاماً على رحيلها لا تزال الفنانة زينب علامة من علامات الزمن الجميل، وعَلماً من أعلام الوطنية في هذه البلاد التي لا تزال تعيش أحداث مسرحية يوسف العاني الشهيرة "راس الشليلة".
هل كانت زينب تعتقد يوماً أنّ أعلى سلطة قضائية في البلاد سوق تجيز تأديب الزوجة وضربها؟، وأن هذه البلاد بدلاً من أن تسير في طريق المعرفة والعمل أصر ساستها على أن يسيروا بها في طرق الطائفية والانتهازية؟، وهل كانت زينب وهي تقف شامخة على خشبة مسرح بغداد تروي حكايات الامل والمستقبل ، تتوقع أن العراقيين سينشغلون بعد عقود بحكايات عامر الكفيشي عن تحريم مصافحة المرأة، بينما تنسحب القيم الوطنية والثقافة إلى الوراء، مطاردة بتهمة الخروج على الأعراف الطائفية والعشائرية.
سيقول البعض ايها " الكويتب " مالك والنساء وقد حصلن اليوم على ربع مقاعد البرلمان .. ايها السادة في الشكل نبدو دولة حضارية متقدمة، النساء حصلن على نسبتهن في البرلمان، فيما الواقع يقول إننا ، في بلاد لا تحترم المساواة، ولا يرضى رجاله إلا بحق واحد هو السيطرة على كل شيء وأي شيء.
مشكلة الذين خاضوا حول السياسة هذه الأيام أنهم بلا ذاكرة وبحاجة إلى من يقرب لهم وقائع التاريخ، ومشكلتهم أنهم يخرجون غالباً بنتائج واحدة، وهي أن الحاضر أفضل بالنسبة للمرأة، وأكثر وعداً، وأكثر تقدماً. ولا أعرف كيف ينظرون إلى مثل هذه الظاهرة، خصوصاً أنهم لم يعرفوا التاريخ الذي يتحدثون عنه، صحيح أن المرأة لم تصل إلى البرلمان بهذه الكثافة، لكن نزيهة الدليمي كانت أول وزيرة عربية .
لا أعرف أوجهاً للمقارنة ولكنني أرى أن العراق الذي يتباهى قادته بأنه قاد عرس الديمقراطية في المنطقة، يحرم نصفه الجميل من حقه في أن يتولى مناصب وزارية وقضائية، وأن المحكمة الاتحادية تخلو من نون النسوة.
مرت زينب مثلها مثل نزيهة الدليمي ونازك الملائكة وعاتكة الخزرجي وصبيحة الشيخ داود مثل نسائم عذبة في عوالم المرأة والسياسة والفن والثقافة. ويوم نتذكر المرأة، كنا نتمنى أن تحتضن بغداد تمثالاً لفنانة الشعب زينب .