عابدين دينوترجمة: جودت جالىبعد وفاة صديق ناظم حكمت (عابدين دينو 1913 ــ 1993) Abidine Dino الرسام والسينمائي التركي الذي كان يقيم في المنفي بفرنسا، عثـر أحد أفراد عائلته بين أوراقه على ذكريات مخطوطة غير تامة عن ناظم حكمت كتبها عابدين بالفرنسية ونشرتها مجلة يورب الفرنسية في أحد أعدادها الأخيرة تحت عنوان (سنوات ناظم حكمت المبكرة).
أن التمزق الذي أثر عميقا في حياة الصغير ناظم يوجب علىنا أن نبين بعض التفاصيل الدقيقة عن عائلتي أبيه وأمه. يتصل نسب ناظم من جهة والدته جليلة هانم بواحدة من العوائل العثمانية الكبيرة، وأشهر أسلافه فيها هو الكونت بروجينسكي وهو بولوني كافح من أجل أستقلال بلاده ضد القيصر الى جانب الجنرال بن، وحين هزم توجب عليه اللجوء في تركيا حيث أصبح باشا وأعتنق الأسلام، هذا الرجل ليس سوي المارشال محمد على باشا نفسه. يوجد سلف آخر لناظم من جهة الأم أصله فرنسي وينتسب الى عائلة (هيغو نوت)، هاجر الى ألمانيا أول الأمر ثم أختار أيضا أن يكون تركيا. أن زوجتي هذين الرجلين اللذين خاضا معارك يائسة في آسيا، وأوربا، وأفريقيا، كانتا نشطتين ومثقفتين. rnالحكايات الرومانسية، والآمال المهجورةأن أي روائي عظيم لم يكتب بالتركية رواية كرواية (الحرب والسلم)، يالها من خسارة! لم يكن العالم العثماني، وهو يقترب من نهايته، يمثل شيئا لأي كاتب. مع ذلك ففي عوائل كبار الموظفين والضباط، والحكايات الرومانسية، والآمال المهجورة، وقصور الىالى (الىالى منازل كبيرة ساحلية على البسفور) الشبيهة بسفن ذات سطوح عالية، على طول الشواطئ، على الجانب الأوربي، وعلى الجانب الآسيوي، ولدت شخصيات كثيرة كالنمل من كل نوع تبادلت فيما بينها الحب والبغض بجنون. هناك حيث العلاقات بين الرجال والنساء، وتعدد الزوجات، تمفصلت على نمط من الحياة أكثر تعقيدا من الحياة في الغرب خالقة ((مسرحة)) بتراكيب يصعب أدراكها. لم يحتفظ لنا النثر، وهو يعلن عن نفسه آنذاك متأخرا، بشيئ من هذا رغم أن هذه المنازل الفسيحة كانت تشكل مشاهد بديعة بعدة مسارح، وأكاد أقول مسارح بعدة مستويات، حيث تدور المآسي والمهازل التي لانهاية لها في الوقت نفسه بأخراج بانورامي وبممثلين صامتين كثيرين، طباخين، طباخات، خدم، بستانيين، حوذيين، وأهل غامضين. أن الشخصيات الرئيسية كانت محاطة بحشد متنوع من الممثلات الصامتات. لقد أكتسب الصبيان الصغار في هذا النمط المغلق ميلا مبكر النضج، وأكاد أقول ميلا مفرطا، نحو النساء. أن الأواصر مع العالم الخارجي كانت صعبة، ولكنها كانت موجودة من بيت لبيت ومن شاطئ لشاطئ. لقد خضع مجري الحياة من الأعلى ومن الأسفل لمزاج السلطة، لمزاج السلطان، لمتطلبات السياسة، لرغبات أثرياء السلاح، لمؤامرات الدولة التي تحمل بصمات أجنبية، لهذا كانت غالبا ماتتغير الأوضاع كليا من حال الى حال. لايوجد مايكفي من حسن الحظ تحت نير الطغيان الشرقي، وكما في الروايات الروسية الكلاسيكية يستشف القارئ وجود الفلاحين والشعوب المستغلة أستغلالا وحشيا في مكان ما، على مبعدة، في خلفية الرواية.كان الجد الأكبر لناظم وهو ناظم باشا غالبا ماينفي بعيدا عن أسطنبول للشك بوجود علاقات له مع المعارضة الدستورية. نعم كان النفي بلقب حاكم ولكنه لم يكن ليخدع بهذا اللقب فقد كان السلطان عادة مايلجأ الى هذه الطريقة حين يضطر لسبب ما الى معالجة أمر شخص فيعاقبه بهذا الشكل. كان ناظم باشا مثقفا، مدني التفكير من المستوي الراقي، حاكما وعضوا في طائفة الدراويش الدوارين، ينظم الشعر أحيانا، وخبيرا في نظم شعر الأحاجي. rnبورتريه لزوجة الابنحين آن الأوان لتزويج الأبن حكمت ناظم بك فأن زوجة الباشا هي التي رتبت أمر الزواج جريا على التقالىد، يعني رسمت بورتريه-روبوت ((للفتاة التي يرغب فيها أبنها)) وشرعت ببحثها بالطرق الملائمة، أي بعمل تقص واسع، وحسب التعبير الخاص بهذا العمل، تغادر بيتها لتمارس عمل ((البصاصة)). كان حكمت ناظم بك صبيا جميلا، جيد الثقافة، ((من عائلة راقية))، صحيح أنه بلا ثروة ولكن المستقبل أمامه كدبلوماسي، أجمالا كان لابأس به، وعلاوة على ذلك فهو يتكلم الفرنسية، أذ كما تقول شخصية من شخصيات قصة (زواج) للكاتب غوغول بخصوص الزوجة ((وهل تعرف الفرنسية؟)) كانت معرفة الفرنسية ميزة مرموقة. حسن... لقد وجدت زوجة الباشا الطير النادر، مخلوقة شابة جميلة يمكن السيطرة عليها، ((من عائلة عريقة))، تجيد العزف، وتكتب الشعر، والأهم من هذا كله، تتكلم الفرنسية.. كدت أنسي أن أخبركم بالجوهري.. كانت تمارس الرسم أيضا. كانت قبيلة جليلة آدين باشا ذات ميول غربية أكثر من قبيلة ناظم باشا لكن القبيلتين كانتا تشتركان في أنهما مكونتان من أناس ذوي شخصيات مميزة ويتصفون بصفات حميدة. أذن أعطيت يد جليلة أكراما لناظم باشا، وغادر الشابان رأسا الى (سالونيك) حيث كان لحكمت بك منصب ((مهنة)). في سالونيك ولد أبن حكمت ناظم، ناظم حكمت، جاء الى العالم عام 1902، وقد سمي بأسم جده الحاكم ناظم باشا.سالونيك.... أذا ماعدنا الى الماضي البعيد نجد أنه هنا في سالونيك أستولي على السلطة الكومونيون الثوريون الزيلوتيون الناطقون بأسم المضطهدين البيزنطيين، ولكن أستلام السلطة هذا لم يكن له أن يدوم في ظل العثمانيين. في هذه الحاضرة التي يسكنها فلاحون وحرفيون يونان