علاء المفرجي
اصبحت كتب السيرة والمذكرات الشخصية، وخاصة تلك التي يكتبها سياسيون وأدباء من الكتب التي تلقى اقبالا واسعا من قبل جمهور القراء،
وقلة من كتب المذكرات والسير هذه تحظى بالذيوع والاهمية.. إلا من كان صاحبها من الذين نالوا منصب مؤثر أو قدم أعمال استثنائية، وهو المؤلف الذي لا يجانب الصواب والموضوعية والصدق، في التناول، لتنال مذكراته هذه مصداقيتها التاريخية، بما تنطوي عليه من عدم الوقوع في المبالغة أو وإعطاء نفسه ما لم تكن تتحلى به يوما، وطمس حقائق تاريخية متفق عليها.. وبذلك تنال هذه السيرة قوة الوثيقة التاريخية.
وعندنا في العراق لا نستطيع ان نتحدث عن غياب بشكل مطلق لهذا النوع من الكتابة، فندرة مؤلفات السيرة والمذكرات والاعترافات في الأدب العراقي، والعربي عموماً، لكن ذلك لا يعني خلو أدبنا من هذا الشكل من الكتابة تماماً، فهناك من المذكرات واليوميات والسِيًر أعمال ليست بالقليلة عراقياً نستطيع أن نؤشر الى كتاب (مذكراتي ) للشاعر الكبير الجواهري، وبعض من كتابات عبد الستار ناصر مثل الطاطران، و»اعترافات مالك بن الريب» للشاعر يوسف الصائغ، وآخر ما صدر «أمواج... سيرة عراقية» للناقد عبد الله إبراهيم.
ونلاحظ تصدر المذكرات السياسية، اعني التي يكتبها سياسيون أو شخصيات لها فعل وطني، المكتبات قياسا الى المذكرات الادبية، حيث نرى أحسب أن هناك فرقاً بين المذكرات والسيرة الذاتية. فالمذكرات غالباً ما تتناول علاقة كاتبها بزمنه وتجربته الفكرية والسياسية دون أن تمس الجوهر الشخصي. ولدينا الكثير من المذكرات عند طه حسين، ولويس عوض، وعمرو موسى، والجواهري، ومحمد نجيب. هذا النتاج ليس بالضرورة أن يكون أدباً إنما هو سجل حافل بالتجارب السياسية والفكرية والحياتية. أما أدب السيرة الذاتية، فهو نتاج كاتب محترف كرس حياته للفن أو الرواية أو الشعر، وهو نادر في العالم العربي بسبب التابوهات التي يضعها المجتمع أو الرقابة الحكومية. الكاتب العربي مقموع خائف من نفسه ومن السلطة والمجتمع فلا يجرؤ على الإعلان عن الوقائع الخاصة التي شكّلت تجربته منذ الطفولة، ولا على المنعطفات المهمة التي عصفت بجانب من تلك التجربة وغيّرت مسارها، كما يشخصها الروائي عبدالله صخي.
ويبدو أن لهذا السبب كانت السيادة في هذا المجال للمذكرات السياسية والاجتماعية، التي لا نجهد انفسنا كثيرا في تشخيصها وحضورها على رفوف المكتبات، وهي مهمة جدا اذا ما اعتبرنا، أن هذه المذكرات الشخصية تتحول بالتدريج إلى جزء حي من الأرشيف الاجتماعي والوطني.
ولعل من المذكرات والسير العراقية المهمة التي نشرت أخيرا، نشير الى كتاب بلقيس شرارة الذي يوثق وبالتفصيل سيرة رفعة الجادرجي ومنجزه المعماري الكبير، إضافة إلى مؤلفاته التي تخص العمارة الحديثة، و مسيرة هذا المعماري الفذّ، منذ بداية تعارفهما وزواجهما، وحتى الرحيل الأخير للجادرجي منتصف عام 2020، وأيضاً الحديث عن عائلته، ودورها في تاريخ العراق المعاصر، ووالده كامل الجادرجي الذي يعدّ أحد أهم الشخصيات الوطنية والسياسية التي عرفتها السياسة العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية بداية القرن المنصرم.
وكذلك كتاب الشاعرة والناقدة مي مظفر “أنا ورافع الناصري- سيرة الماء والنار”، الذي تناولت فيه مسيرة حياة واحد من أهم الفنانين العراقيين المعاصرين، وهو زوجها رافع الناصري الفنان في مجال الجرافيك والحفر علي الخشب وله العديد من المؤلفات، وكانت سيرته حافلة بالتجارب والمواقف التي جمعت بين الأدب والفن والعطاء المتواصل.