TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > قريبا يعود ناظم حكمت من منفاه إلى حدائق الأناضول

قريبا يعود ناظم حكمت من منفاه إلى حدائق الأناضول

نشر في: 25 يونيو, 2010: 04:34 م

كثيرا ما أجد صعوبة في تناول حياة أو ممات بعض الشخصيات العالمية الفذة من أمثال أسطورة الشعر والنضال ناظم حكمت الذي حمل في نتاج عمله وثقافته روح الشعب التركي وطبقاته الكادحة مكيفا إياها إلى فنون الشعر ناقلا هذه الروح من بيئة المجتمع التركي
إلى البيئة العالمية متجاوزا صخورا صلبة واجهته في حياته وفي السجون التي وضع داخل زنازينها وفي المنفى الذي وجده مكانا قاحلا يكتنفه الضباب . لم يجد في حياته شيئا دافئا غير الالتزام بقضية شعبه وليس هناك من خصوبة حقيقية إلا داخل الفكر الإنساني المتغير والمتطور خاصة وهو يتبحر في الحالة التي أصابت العقل الأوربي من حيرة وإحباط ووجوم بعد حربين عالميتين وبعد اختراع السلاح الذري واستعماله في هيروشيما . rnناظم حكمت وجد في الشعر وطنه ووجد في الوطن قصيدة شعرية ووجد في كليهما حياة عظيمة الأفاق ينبغي على المثقف أن يكون فاعلا منتجا فيها . استقر رأيي على كتابة هذه المقالة حين وجدت خبرا سارا يقول أن الحكومة التركية بصدد إعادة الجنسية التركية إلى الشاعر والكاتب المسرحي الشهير ناظم حكمت. من المعروف أن ناظم حكمت قد جرد من جنسيته التركية في خمسينيات القرن الماضي لاعتناقه المبادئ الماركسية، وبعد هربه من البلاد عقب قضائه سنوات في السجون التركية المظلمة . السؤال الأول المطروح أمام الأجيال الشعرية والمسرحية المعاصرة والقادمة : من هو ناظم حكمت ..؟ ربما يسأل الكثير من أبناء الأجيال الجديدة المنتمية للنشاط السياسي أو الثقافي أو لكليهما . تقول التعريفات الموسوعية والأرشيفية انه شاعر تركي ولد لعائلة ثرية ومتنفذة، عارض الإقطاعية التركية وشارك في حركة أتاتورك التجديدية ولكن بعدها عارض النظام الذي أنشأه أتاتورك وسجن في السجون التركية حتى 1950 ،فر إلى الإتحاد السوفييتي وهو شاعر شيوعي، كانت أشعاره ممنوعة في تركيا إلى أن أعيد الاعتبار له من طرف بلده ، توفي في عام 1963. تميز شعره ببساطة ساحرة ومواقف واضحة. جرب ناظم في شعره كل الأشكال الممكنة الحديث منها والموروث وغذى تجربته بكل الثقافات من حوله خاصة أنه له علاقات شخصية مع أبرز الشخصيات الأدبية الروسية والأوربية والأمريكية وحتى العربية. ولناظم حكمت بصمته في الشعر العربي إذ نجد أصداء من طريقته الشعرية في أثر العديد من الشعراء مثل عبد الوهاب البياتي الذي ارتبط معه بعلاقة صداقة خاصة حدثني عن بعض صفحاتها ذات يوم في عمان – الاردن عام 1996 مضمرا خلالها حبا عميقا لشخصية ناظم حكمت وصفاته الشاعرية والإنسانية . كذلك تأثر بهذا الشاعر التركي بلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي وحسب الشيخ جعفر الذي كرس اغلب قصائده للإنسان البسيط في القرية ، ونزار قباني الذي تأثر بشجاعة كلمات ناظم حكم ، وبعض قصائد بدر شاكر السياب نجد فيها آمال وحنين ناظم حكمت كما نجد تأثيرات فلسفية وأسلوبية على قصائد مظفر النواب ، الشعبية منها والفصيحة ، وكذلك العديد من الشعراء العراقيين والعرب الآخرين . من الضروري أن أقول رأيي هنا عن وجود مواصفات مشتركة عديدة بين الشاعر العراقي مظفر النواب والشاعر التركي ناظم حكمت أوجزها بهذه المناسبة كما يلي : (1) البطل الملحمي في قصائد الشاعرين هو الشعب من الناس الفقراء وقد كانت عينا الشاعرين تخترقان السطح الاجتماعي الظاهر لبلوغ العمق الباطن . (2) لكل من الشاعرين عين سوسيولوجية متشابهة تبحث من خلال الشعر عن ما يجري داخل المجتمع من صراعات وتغيرات .(3) كل من الشاعرين نشأ في عائلة ذات أماني وتطلعات وبنية بورجوازية لكن سرعان ما انتمى إلى تطلعات وأماني وبنية الطبقات الكادحة .(4) انتقل كل من الشاعرين في مرحلة شبابهما من الوعي القومي إلى الوعي الإنساني الاممي . (5) ناظم حكمت وجد في الماركسية أداته في تحليل المجتمع مثلما مظفر النواب . (6) لم ينجو لا ناظم حكمت ولا مظفر النواب من ظلمة السجون . في السجن، واصل ناظم حكمت ومظفر النواب كتابة الشعر. ورغم العذابات التي كان يعانيان منها يوميا، فإنهما توصلا إلى انجاز أعمال عظيمة .(7) توفرت لكليهما أمجاد الشعر بل التغيرات الشعورية من خلال خبرات عاشها الرجلان في المنفى . غير أن أفضل تعريف لناظم حكمت ، إنسانا وشاعرا ، هو ذلك الذي صاغه هو بنفسه، إذ قال في قصيدة قصيرة ملخصا وجوده بكلمات بسيطة متواضعة :أنا إنسانأنا ناظم حكمت شاعر تركيأنا الحمية والحماسة من الساق حتى الرأسومن الساق حتى الرأس، كفاح ولا شيء غير الأمل،ذاك أنا.لم تكن هذه الكلمات ذات حس مجرد بل هي المكون الرئيسي في كل مرحة من مراحل حياته مقرونا بأفعال حياته كلها بالدفاع عن قضايا المضطهدين . كان ناظم حكمت قد حقق هدف حياته الأفضل في جعل مواقفه كلها معبرة عن حبه لوطنه مفترضا أن يكون الشاعر قبل السياسي في صدارة الكفاح الوطني فهو القائل : لو وضعوا الشاعر في الجنة.. لصاح آه يا وطني . كما كان في شعره مثل مايكوفسكي محرضا الشعب على النضال والتقدم حسب قصيدته "لعلها آخر رسالة إلى ولدي محمد" من ديوان "أغنيات المنفى" : لا تحيا على الأرضكمستأجر بيتأو زائر ريف وسط الخضرةولتحيا على الأرضكما لو كان العالم بيت أبيكثق في الحب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram