علي حسين
في كل يوم تسجل الديمقراطية العراقية سابقة جديدة. ومنذ اللحظة التي أصدر فيها العلامة إبراهيم الجعفري مؤلفه الخطير "الديمقراطية في العراق" والذي تفوق على السادة جان جاك روسو والمرحوم هوبز والإنكيزي جون لوك ، فعلى مدى قرون لم يجرؤ مفكر أن يقدم خلاصة للديمقراطية مثلما قدمها الجعفري عندما قال: "من غیر الصحیح أن نتصور دیمقراطیة سیاسیة من دون دیمقراطیة".
على مدى سنوات اكتشف المواطن العراقي أن أحزاب الديمقراطية بدلاً من أن تصغي إلى الشعب ،أصرّت على أن تهدم الوطن وتقسّم العراقيين إلى قبائل ومذاهب ومناطق، وكانت مهمة القانون أن يدعو الناس نحو الدولة. فماذا حدث؟، تُنهب الموازنات، يقتل الناس بقاذفات العشائر وكواتم الدراجات، يشوى المواطن في حرائق المستشفيات، تُباع المناصب بالمزاد، ولا يحرِّك السيد المدّعي العام ساكناً، الذي بحسب معلوماتي المتواضعة يمثّل الحقّ العام، ورغم كلّ هذا العدد الكبير من ملفات الخراب، وكان آخرها حريق مستشفى الهندية، إلا أنّ المواطن العراقي لم يسمع صوتاً للمدّعي العام، وأجزم أنّ 99 بالمئة من العراقيين لايعرفون اسم المدّعي العام، هذا إذا كانوا يُصدِّقون أنّ هناك منصباً قضائيّاً اسمه الادّعاء العام. ثم إنني بكلّ صدق لستُ أعرف: هل صمت الادّعاء العام هذا تصرّف قانوني؟ .
في المقابل نعيش في اجواء كوميديا ديمقراطية ونحن نقرأ او نسمع أن جمال الكربولي الذي أطلق سراحه قبل أشهر، يعيش الآن في الأردن لإدارة أعماله التجارية، من دون أن يقول له المدعي العام يارجل نريد منك أن تعيد أموال الهلال الأحمر ، وأن تكشف الفساد في وزارة الصناعة التي حولها شقيقك أحمد الكربولي خلال أربع سنوات إلى شركة خاصة. هل ما جرى مع الكربولي غريب على هذه البلاد؟، فمَن شاهد منكم أحد حيتان الفساد يقدم للقضاء، ومن قرأ منكم خبراً يقول إن المدعي العام أصدر قراراً بالقبض على رؤوس الفساد؟.. فنحن في كلّ مرة نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنّ لا شيء مهمّ في هذه البلاد سوى سلامة كراسيّ المسؤولين، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في جرائق المستشفيات، مثلما لايحقّ لكم أن تسألوا أين وصل التحقيق في كارثة مستشفى الخطيب!
لو أحصينا الحوادث والكوارث التي تعرّض لها العراقيون خلال التسعة عشر عاماً الماضية سنكون أمام ما هو أبشع من التهريج والعبث. المهم ان لا ننسى ديمقراطية إبراهيم الجعفري ونمنح نوفل العاكوب ، فرصة جديدة للانتقال بنا إلى دراما جديدة تنقلنا من عصور التهريج إلى عصور الخراب.
تعلمنا مفاهيم العدالة الحقيقية أنه لا يمكن للبلدان أن تستقر والناس تجد أن السارق ومثير الفتنة الطائفية والقاتل والمرتشي ينجو من العقاب .