علي حسين
أتابع بشغف العمود اليومي للكاتب البحريني حسن مدن في صحيفة الخليج كونه يلامس الكثير من قضايانا الجوهرية في مجال السياسة والثقافة والحدث اليومي، بالأمس تحدث عن أحمد الخطيب أحد حكماء العرب، والذي توفي قبل أيام، ويرتبط اسم أحمد الخطيب في ذاكرتي بمجلة الطليعة التي كانت تمثل رأي النخبة الكويتية.
نقرأ في مقال الأستاذ حسن مدن أن الراحل أحمد الخطيب أراد السفر إلى بيروت ليلتحق بالجامعة الأمريكية فيها، وكان عليه أن يقطع طريقاً يمر في البصرة ثم بغداد. وما أن حط الفتى البالغ من العمر ستة عشر عاماً في بصرة السياب حتى أدهشه سحرها وفتنة التجول على شاطئ شط العرب، وسيقطع: "المسافة من البصرة إلى بغداد بالقطار تعاظم انبهاره بما يرى فقد كانت بغداد، يومها، في غاية التقدم، وهناك ولج السينما أول مرة". هذه هي بغداد على مدى العصور امتلأت ليالها فرحاً، ولم يكن يدور في خلد أحد أن تتحول إلى مدينة أشباح.
في هذه المدينة التي كانت تحتل شوارعها المضاءة أسماء ملوك وشعراء، والتي كانت تتطلع إلى المستقبل بعيون مفتوحة علقت الشواهد على شوارعها الرئيسة، المتنبي، أبو نواس، ابن سينا. تلك، كانت بغداد في الأربعينيات. والقادمون يأتون من قريب ومن بعيد، يغنون، ويعشقون، ويحلمون بيوم يصبحون فيه أبطالاً، قادرين على العيش برفاهية. سيحلم الجميع بعراق هادئ، أنيق، طافح بالأمل.
ذات يوم كانت بغداد تزهو بأعمال محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعهما جواد سليم وفائق حسن وكاظم حيدر وحمد غني حكمت وخالد الراحال واسماعيل فتاح الترك ، ومعهم العشرات يملؤون مسارح بغداد ، بحضورهم وصخبهم، لم يبق اسم "لامع" إلا وأراد أن يضمّ إلى سيرته، منجزاً يقدمه إلى بغداد، وتحولت هذه المدينة التي قال عنها مصطفى جمال الدين " ووريق عمرك أخضرُ " ، إلى منارة، تتلاقى فيها الحضارات وتتنافس عليها الأحلام والآمال.. ذلك عصر كان منظروه يريدون لهذه البلاد أن تكون بلاد متعايشة، متسامحة، تعبق بألوان المعرفة والمحبة ، ولم يكن يدور بخلد الفتى الكويتي احمد الخطيب وهو يتجول مسحورا بين ازقة بغداد أن تتحول هذه المعالم إلى خرائب، يريد القائمون عليها أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.
ومثل بغداد كانت البصرة التي سحرت أحمد الخطيب قبل أكثر من سبعة عقود نجدها اليوم وقد استبدلت ثوب الحياة برداء الظلام والعتمة ، وقد استولى عليها البعض ممن يفرضون كثيراً من الكآبة على الحياة معززين ثقافة الظلام، يبددون الأمل ويحاصرون التفاؤل، يأمرون الناس بالكف عن ممارسة الفرح الذي لم يعد مهنة العراقيين بعد أن سادت مهن جديدة مثل العصابات وأمراء الحرب الطائفية والسراق.