متابعة/ المدى
تساءل الكاتب البرازيلي بيب إسكوبار عن كيفية تمكن روسيا من التغلب على ما وصفها بـ"الحرب الاقتصادية" التي يشنها الغرب عليها بسبب غزوها لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يبالغان في العقوبات المفروضة على موسكو، محذراً من أن النتيجة يمكن أن تكون إنهاء الدولرة من الاقتصاد العالمي، ونقص السلع الأساسية في جميع أنحاء العالم.
وقال إسكوبار، في مقال بموقع "The Cradle"، إنه حينما يقرر كبار ضباط حلف شمال الأطلسي (الناتو) استهداف البنك المركزي الروسي بعقوبات، ماذا يتوقعون أن يكون رد موسكو؟ فما حصلوا عليه هو قيام قوات الردع الروسية بواجبها، وهو ما يعني أن أساطيل شمال المحيط الهادئ وقيادة الطيران بعيد المدى والقاذفات الاستراتيجية والجهاز النووي الروسي، في حالة تأهب قصوى.
دعاة الحرب
وأضاف الكاتب: "أجرى أحد جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بعض الحسابات بسرعة كبيرة، وبعد دقائق فقط أرسِل وفد أوكراني لإجراء مفاوضات مع روسيا، في مكان لم يُعلن عنه في بيلاروسيا، وفي هذه الأثناء كانت الحكومة الألمانية مشغولة بـ(وضع حدود لدعاة الحرب مثل بوتين) حسب قولها، وهي مهمة مهمة للغاية بالنظر إلى أن برلين لم تضع أي قيود من هذا القبيل لدعاة الحرب الغربيين، الذين قصفوا يوغوسلافيا أو غزوا العراق أو دمروا ليبيا، في انتهاك للقانون الدولي".
وأشار الكاتب إلى أنه لكي يفهم كيف يمكن للعقوبات التي فرضها "الناتو" هذه أن تدمر روسيا، طلب تحليلاً موجزاً من الكاتب مايكل هدسون، الذي وصفه بأنه أحد أكثر العقول الاقتصادية أهمية في هذا الكوكب.
عزل موسكو
وأعرب هدسون لإسكوبار عن شعوره بالقلق الشديد من التصعيد شبه النووي للولايات المتحدة، وقال إنه في ما يتعلق بمصادرة الاحتياطات الأجنبية الروسية وعزل موسكو عن نظام سويفت، فإن النقطة الرئيسة أن الأخيرة تستغرق بعض الوقت، لوضع نظام جديد مع الصين، ونتيجة ذلك ستنهي الدولرة إلى الأبد، حيث ستخشى الدول استخدام البنوك الأمريكية، وهو ما رأى أنه يقودنا إلى السؤال الأساسي: ما إذا كان بإمكان أوروبا وكتلة الدولار شراء المواد الخام الروسية، الكوبالت، والبلاديوم، وما إلى ذلك، وما إذا كانت الصين ستنضم إلى روسيا في مقاطعة المعادن؟
ويصر هدسون، على أن البنك المركزي الروسي لديه أصول مصرفية أجنبية، للتدخل في أسواق الصرف للدفاع عن عملته من التقلبات، ولذا فإنه في حال انخفاض قيمة الروبل، ستكون هناك أسعار صرف جديدة، ومع ذلك، فإن الأمر متروك لروسيا، لتقرر ما إذا كانت ستبيع قمحها إلى آسيا التي تحتاجه، أو التوقف عن بيع الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
وعن إمكانية إدخال نظام دفع روسي صيني جديد يتجاوز "سويفت"، والجمع بين نظام "SPFS" الروسي ونظام "CIPS" الصيني (نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك)، فإن هدسون لا يساوره أي شك في أنهما سيفعلان ذلك، كما سيسعى الجنوب العالمي للانضمام إلى النظام الجديد ونقل احتياطاته إليه، مع الإبقاء على "سويفت" في الوقت نفسه.
إنهاء الدولرة
بدوره، حذر الكاتب البرازيلي بيب إسكوبار، من أن الولايات المتحدة ترتكب خطأ استراتيجياً فادحاً جديداً، هو أنها تقوم بنفسها بتسريع إنهاء الدولرة.
ونقل عن مدير شركة "Bocom International" هاو هونج قوله إن إزالة الدولار من تجارة الطاقة بين أوروبا وروسيا، تمثل بداية تفكك هيمنة الدولار، وهو التحذير الذي سمعته الإدارة الأمريكية الأسبوع الماضي، من بعض أكبر بنوكها متعددة الجنسيات، بما في ذلك "جي بي مورجان" و"سيتي جروب".
وتابع إسكوبار: "إخراج روسيا من النظام العالمي الحاسم (سويفت) الذي يتعامل مع 42 مليون عملية يومياً، ويمثل شريان حياة لبعض أكبر المؤسسات المالية في العالم، قد يأتي بنتائج عكسية، إذ قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، ودفع روسيا إلى الاقتراب من الصين، وحماية معاملاتهم المالية من التدقيق من الدول الغربية، كما أنه قد يشجع أيضاً على تطوير بديل للنظام، وهو ما قد يؤدي -في النهاية- إلى تدمير تفوق الدولار الأمريكي".
ورأى إسكوبار أنه على مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن يفهموا أنه لا يمكن استبعاد روسيا من "سويفت"، لكن ربما يمكن استبعاد عدد قليل فقط من بنوكها، لأن التجار الأوروبيين يعتمدون على الطاقة الروسية، إلا أنه من وجهة نظر موسكو فإن هذه مشكلة ثانوية، حيث يرتبط عدد من البنوك الروسية بالفعل بنظام "CIPS" الصيني، ولذا فإنه -على سبيل المثال- إذا أراد شخص ما شراء النفط والغاز الروسي باستخدام "CIPS"، الذي يعمل بشكل مستقل عن "سويفت"، يجب أن يكون الدفع باليوان الصيني.
الخروج من "سويفت"
إضافة إلى ذلك، فإن موسكو لم تربط نظام الدفع الخاص بها بالصين فحسب، ولكن بالهند والدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أيضاً، فنظام "SPFS" يربط بين نحو 400 بنك، ومع زيادة معدل الشركات الروسية التي تستخدم نظامي "SPFS" و"CIPS"، وحتى قبل اندماجهما، أو إجراء أي مناورات أخرى لتعويض الخروج من "سويفت"، مثل تجارة المقايضة، التي تستخدمها إيران الخاضعة للعقوبات، والبنوك الوكيلة، يمكن لروسيا تعويض ما لا يقل عن 50% من خسائرها التجارية، حسب الكاتب.
وتابع: "الحقيقة الآن هي أن الهروب من النظام المالي الغربي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، أصبح لا رجوع فيه عبر أوراسيا، كما أنه سيستمر مع تدويل اليوان".
"جراب الحاوي"
وأضاف إسكوبار أنه حتى الآن لم يتحدث في مقاله عن الانتقام الروسي من هذه العقوبات، إذ ألمح الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف إلى ذلك حينما قال: كل شيء، بدءًا بالخروج من صفقات الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، إلى تجميد أصول الشركات الغربية في روسيا، على الطاولة".
من جانبه، يحذر هدسون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وعلى رأسها القمح، إذ تمثل روسيا وأوكرانيا 25% من صادرات القمح العالمية، ومن منظور الجنوب العالمي فإن تلك كارثة، ستؤدي إلى الضغط على العديد من بلدان غرب آسيا وجنوب العالم، التي تعاني نقص الغذاء، ما يؤدي إلى تدهور ميزان مدفوعاتها ويهدد بالتخلف عن سداد الديون الخارجية، أما في ما يتعلق بمنع صادرات المواد الخام الروسية، فإن ذلك يهدد بانقطاع في سلاسل التوريد للمواد الرئيسة، بما في ذلك الكوبالت والبلاديوم والنيكل والألمنيوم.
وأشار هدسون إلى أن ذلك يقودنا، مرة أخرى، إلى لُب الموضوع وهو الحلم طويل المدى لمحاربي الحرب الباردة الأمريكيين بتفكيك روسيا، أو على الأقل استعادة النظام الكليبتوقراطي الإداري الذي يسعى إلى جني الأموال من الخصخصة في أسواق الأسهم الغربية، قائلاً إن ذلك لن يحدث.
ويرى هدسون أن أكبر نتيجة سيئة غير مقصودة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، كانت دفع روسيا والصين للعمل معاً، بجانب إيران وآسيا الوسطى والبلدان الواقعة على طول مبادرة الحزام والطريق.
ونهاية المقال، رأى إسكوبار أن "لدى الاتحاد الأوروبي غباءً استراتيجيًا، لأن الصين تبدو مستعدة للاستيلاء على جميع الموارد الطبيعية الروسية، مع ترك أوروبا كرهينة يُرثى لها للمضاربين الجامحين" قائلًا: "يبدو أننا بصدد رؤية انقسام بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، مع بقاء القليل من التجارة فقط بينهما، وعدم وجود دبلوماسية على الإطلاق".