TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: النخل في حياة ولغة البصريين

قناطر: النخل في حياة ولغة البصريين

نشر في: 13 مارس, 2022: 11:34 م

 طالب عبد العزيز

إذا كان البدويُّ قد استل مفردات لغته من الرمل والهاجرة والخيمة والناقة وسواها، وهي عوالمه في البرية، حيث يعيش، فقد شكلت النخلة جزءاً كبيراً من قاموس لغة الحَضَريّ، الذي استوطن الماء، وعلى ضفاف الانهار. ومع ما فعله ويفعله الزمن وتحدثه الالسن في جسد اللغة من تصحيف ونحت وتحريف وإبدال وإقلاب وسواها إلا أنَّ أهل النخل بخاصة مازالوا يتداولون الكثير من مفردات أجدادهم تلك، في تداول جميل، له وقع خاص، ينعش روح اللغة، مقلما ينعش قلب مستعمله.

أحارُ أحياناً في إيجاد المقاربة اللفظية بين ما وقر في أذني من كلام أبي، أو عمّي وما أقع عليه في كتب فقه اللغة وقراطيس أهل النخل، وما أتصفحه في المعاجم. فهذا أبو حاتم السجستاني يسمّي قطْعَ سعف النخيل بـ(التعريب) والذي يعرّبه بالمعرِّب والعارب(مصلح الشيء) وهي قريبة من التكريب، أي قصّ كرب النخل، وفي عجمة واضحة عندنا اليوم يسمّون الكارب (مكربچي) لكنني، سمعتهما يتحدثان عن أصول البذور النادرة، التي اختفظوا بها دهوراً فيقولون هي عريبة، أو مْعرّبة، في اشارة الى تواترها وتحسينها لديهم، وسمعت أحدَهم يقول:” عرّبْ جيش اللف ما ينفع” وهو يتحدث عن تزويج أحد أبنائه امرأة من غير أهله.

ولعلهم( سكان النخل) كانوا قد تمثلوا حديث النبي، الواقي من الجوع (بيتٌ ليس فيه تمر أهلُه جياع) في حرصهم على ادخار التمر الى الشتاء، والتفنن في حفظه وخزنه، وينسب صاحب اللسان الى الامام علي قوله:” أفلحَ من كان في بيته قوصرَّه – يأكلُ منها كلَّ يومٍ مرَّه” . هل أتذكر أبي الذي عادَ أحدَ أصدقائه، وقد حُمَّ(أصابته الحمّى) ذات شتاءٍ أمحل الناس فيه، قبل أكثرثلاثة أرباع القرن، وهل أستعيد صورة أصابعه الخمسة، وهي تتكور مجتمعةً، لينقل لنا هيأة كفِّ صاحبه، وهي تطلب قليلاً من التمر بقوله:” لو جاءني أحدكم بفندوس من التمر لقمت معافى من فراشي هذا»

وفي حثّه على التبكير في كلِّ فعل للخير لطالما سمعته يردد( الهرفْ غِرفْ) لعله سمع قول المحرري المديني:” هرّفت النخلة تهريفاً إذا عجّلت، وهرّفَ النخلُ يهرّفُ، ورأيت قوماً يهرفون الى الصلاة يعجّلّون” وحتى وقت قريب كنت أسمع البقالين في سوق البصرة القديمة وهم يقولون الزَّبْيل بعشرة فلوس، وليس الزَّنبيل، كما هي اليوم، وقد وفدت على السنتهم من بغداد ومدن الفرات الاوسط . ومما قرأته عند ابي حاتم أنَّ البصريين يقولون (فدْرة) وهي القطعة من التمر، فيما نقول اليوم فردة، فياله من تصحيف جميل، لكنني توقفت عن الشدغ، وهو افتضاح البسرة في النخل، فما زالت تتصادى قولة أبي، في حثّه على تلقيح النخل الذي لم ينوّر، أي لم يخرج طلعه من كافوره (ديخه) بعد عيد النوروز: (افدغها ولقحها). وبين الشدغ والفدغ زمن يمضي، وأجمل منه أنهم يقولون (الهضيم) للطلع الذي لم يخرج من كفرّاه، في اشارة لبياضه وجمال صورته.

ينصحني الفلّاح الذي وليته أمر تلقيح بعض الهُوج من النخل(نخلة هوجاء هي التي تتعجّل الإطْلاع) بأن لا أدعَ شماريخ طلع الفحول مكشوفة أمام النحل، فيقلُّ تخصيبها، فهذه الحشرة تجد ضالة طعامها في حبيبات الطلع قلت: ما أجمل ضالة النحل عندي، سأتركُ بعضها له.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ارتفاع حصيلة حادث تصادم طريق الناصرية-السماوة إلى 13 ضحية

أنشيلوتي يتحدث عن مبابي.. "لديه فرصة" مثل رونالدو

السوداني يبحث تطورات الأوضاع في سوريا خلال اتصال هاتفي

إطلاق سراح 500 مشمول بقانون العفو العام

القبض على 7 اشخاص اطلقوا النار في الهواء ببغداد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

الطائفيّة بين الاستعمار ومناهضة الاستعمار

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram