عامر القيسي بينما ينشغل العراقيون بالتظاهرات المحتجة على سوء الخدمات المقدمة لهم في جوانب الحياة كافة، وتحديدا الكهرباء، يغرد محافظ بغداد خارج السرب، ليشن حملة قانونية واجرائية ضد محال بيع المشروبات الروحية،مستندا الى قرار لمجلس قيادة الثورة المنحل رقم 82 لعام 1994 تحت عنوان"الحملة الايمانية".
وهذا يعني ان السيد المحافظ رعاه الله من كل مكروه، لم يتحسس بعد نبض الشارع العراقي وهمومه، ولو سأل هو شخصيا اي مواطن ان كانت هذه القضية من شواغله اليومية، لتأكد تماما، ان حملته لاعلاقة لها بهموم المواطن لامن قريب ولا من بعيد ولاأدري، ولايدري غيري ايضا، ان كانت كل مشكلات البغداديين تدار وتناقش وتؤخذ فيها القرارات على هذه الشاكلة من بعد النظر. واذا كانت الاجابة بالايجاب، فان رداءة الخدمات نتيجة منطقية لهذا التفكير ولهذه المعالجات، خصوصا عندما نتهرب من المشاكل الحقيقية ونتجه لمعالجة قضايا، هي في كل المقاييس لاتشكل مشكلة يعاني منها المجتمع.لو التقى السيد المحافظ مع اي انسان بسيط وطلب منه ان يحدد له الاشياء التي تحتاج الى معالجات في حياة الفقراء تحديدا، لاكتشف المحافظ دون ادنى جهد عقلي أو تحليل، انه في واد والمواطن وهمومه في واد آخر، وان عليه ان يغير بوصلة اتجاهاته نحو القضايا التي يكتوي بنارها المواطن يوميا وهي كثيرة. في كتاب رحلة الى بابل القديمة، يقول المؤلف الانكليزي، لاأتذكر اسمه، ان اهالي بابل كانوا يصنعون 16 نوعا من انواع البيرة، وان الخلفاء المسلمين بعد الراشدين، وكانوا يقولون انهم ظل الله في الأرض، ماحاربوا، لامحال البيع ولا مراتع الخمارين ولا تجارتها ناهيك عن ان مجالسهم الخاصة كانت تعج بمختلف انواع الخمور من الهند والسند وخراسان بانواعها الفاخرة. وهذا يعني ان، هذه القضية جزء من الثقافة المجتمعية العراقية، وان محاربتها تحت اي مسميات ايمانية أو دينية، هي محاربة لواحدة من حقائق الحياة العراقية. لست مدافعا عن الخمرة والخمارين، لكننا نتحدث هنا عن مبادئ لها امتدادات تأريخية، ونتحدث عن قضايا تمس حقوق الانسان، نص عليها الدستور العراقي، ولو كانت حجة السيد المحافظ، ان الكثير من المحال بدون اجازات قانونية، فان تطبيق مايريده قانونيا يعني اغلاق اكثر من نصف اسواق العمل التجارية والصناعية والخدمية التي تعمل بلا اجازات عمل من اية مؤسسة حكومية، وهي تشكل اليوم عصب الحياة الاقتصادية اليومية، اسواق بلا عدد، مجمعات تجارية بلا عدد، وتجمعات ورش عمل بلا عدد، كل هذا البلا عدد الذي يشغل ويعيل مئات الآلاف من الشباب والعوائل، بلا اجازات رسمية، سواء من محافظة بغداد أو غيرها. ماذا لو اغلقنا كل مصادر رزق الناس في هذه الظروف، باسم الاجازة الرسمية؟ سؤال من الصعب ان يجيب عليه المحافظ، مع اننا مع تطبيق القانون في مجالات الحياة كافة، لكن ان نترك المشكلات البنيوية العويصة والتي لها علاقة بحياة الناس اليومية وتفصيلاتها ونذهب الى معالجات صرف الأنظار، فهذا يعني من دون ادنى شك ان علينا ان نصبر سنوات اخرى حتى يأتينا الفرج، وهو صبر مشروط بتغيير بنية التفكير لدى الكثير من المسؤولين، وما لم يجتمع الاثنان معا، فان الأمور ستبقى على حالها وتقيد"جرائم"نقص الخدمات ضد مجهول، أو يطاح بكبش فداء ليخرج البقية من دائرة المسؤولية مثل الشعرة من العجين!!
كتابة على الحيطان : هموم السيد المحافظ..
نشر في: 25 يونيو, 2010: 07:01 م