TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > آفاق: من يقرأ كتب النقد الأدبي؟

آفاق: من يقرأ كتب النقد الأدبي؟

نشر في: 26 يونيو, 2010: 04:50 م

سعد محمد رحيملا أدري من يقرأ اليوم كتب النقد الأدبي باستثناء النقاد أنفسهم ودارسي الأدب وبعض الكتّاب ( هناك أدباء يضيقون ذرعاً بالكتب النقدية )؟ وأذكر أنني كتبت، في العام 1992 مقالاً نشرته في إحدى الصحف المحلية بعنوان ( هل سينقرض جنس النقاد؟ ) أشرت فيه  إلى شكوى تيزفيتيان تودوروف من المجتمع الفرنسي الذي لا يقرأ، كما يؤكد!.
 وكيف أن الإحصاءات بهذا الشأن تنطوي على خلط عشوائي بين الأدب الراقي والأدب الوضيع.. بين الأدلّة السياحية وكتب الطبخ. يقول تودوروف؛ "أن الكتب التي تتناول الكتب، بتعبير آخر الكتب النقدية، لا تشد اهتمام غير أقلية بسيطة من هذه المجموعة من القراء القليلة العدد أصلاً". إذا كان الحال هكذا في فرنسا فكيف تراه عندنا، حيث انحسر، إلى حد كبير، عدد قرّاء الأدب الإبداعي؛ السردي والشعري، في العقود الأخيرة؟    الإبداع الأدبي والكتابة النقدية حليفان متلازمان لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر حتى وإن شابَ العلاقة بينهما، في بعض الحالات والظروف، نوع من الندّية أو الفتور أو الإنكار. ولكي تكتمل مؤسسة الأدب لابد من وجود الناقد إلى جانب الكاتب معيناً ومقوِّماً ومحفِّزاً على الاستمرار. وحين ينتعش النقد يوفر للإبداع أحد أهم شروط النماء ووفرة الإنتاج الجيد. فعافية الأدب من عافية النقد والعكس صحيح. والناقد وإن أدى دور الوسيط بين الكاتب وجمهور القرّاء إلاّ أن أفق وظيفته يتعدى هذا بمسافة طويلة. يقول تودوروف: "إن النقد ليس ملحقاً سطحياً للأدب وإنما هو قرينه الضروري، فلا يمكن للنص أبداً أن يقول حقيقته كاملة".     يفقد القارئ ثقته بالنقد حين يغدو مجانياً، لا يستند إلى منهج واضح ومعايير علمية دقيقة، وهذا الكم من عروض الكتب والكتابات الأخوانية والمقالات التي تتناول الكتب الإبداعية الحديثة وتنشر في الصحف والمجلات لا يمكن تصنيفها في معظم الحالات في ضمن الدراسات النقدية، وإن كانت تنطوي أحياناً على استبصارات وملاحظات وانطباعات وإشارات ذات طابع تقويمي نقدي لا تخلو من فائدة. وثمة تخريجات نقدية لبعض ممن يُحسبون على جمهرة النقّاد ويفتقرون إلى الحساسية والرؤية النقدية الرصينة، ويعجزون عن تمييز الغث من السمين، ويلقون بأحكامهم جزافاً. هؤلاء أيضاً يخلقون هوّة بين النقد والمتلقين.    بهذا الخصوص، تنهض الجامعات بجزء لافت من المسؤولية. والدراسات العليا في أقسام اللغة العربية وآدابها حقل ملائم للدراسات النقدية. وعلى مدار أيام السنة الدراسية تناقش بحوث ذات طابع نقدي في مختلف أجناس الأدب. بيد أن معظم هذه البحوث والدراسات تبقى أسيرة الأدراج، لا تنشر في الصحف والمجلات، ولا تخرج إلى النور في شكل كتب. لكن الجامعات تبقى منبعاً غزيراً للدراسات النقدية. وعراقياً، وكما هو الحال في دول أخرى، نعلم أن أكثر نقّادنا الكبار خرجوا من تحت العباءة الأكاديمية. ويكفي أن نستذكر أسماء ( علي جواد الطاهر، عبد الإله أحمد، شجاع العاني،  وغيرهم ) حتى نتبين دور الجامعات هنا. فيما يعد الطلبة الدارسون في اختصاصات الأدب قراء محتملين تتوجه إليهم كتب النقد الأدبي.    لا يمكن تخيّل فضاء ثقافي وفكري صحّي وفعال ومنتج من غير نقاد يمتلكون رؤى ومناهج وحساسية نقدية في كل فروع المعرفة والإبداع. والأدب هو واحد من أهم هذه الفروع، يُغني الحياة الروحية والفكرية والجمالية للمجتمع. وليس إلاّ النقاد الكبار الجادّون بمقدورهم أن يرشدونا إلى الإبداع الحقيقي، ويرشدوا المبدعين إلى نقاط ضعفهم ومواطن القصور في إنتاجهم. وأعتقد أن النصوص النقدية التي تتصف بالطراوة والوضوح وتتخلص من جفاف الدراسات التي تشتغل على بنية النص ( على الرغم من الأهمية العلمية لمثل هذه الدراسات ) تحظى بقرّاء أكثر. كما أن كتباً نقدية جيدة ستجذب، لا شك، جمهوراً أوسع من القراء وإن كنت لا أزعم أن تجد، في الأحوال كلها، من يقرأها، على نطاق واسع، خارج  الدائرة الضيقة للمهتمين بالأدب والنقد. لكن من الضروري لمستقبل الأدب والثقافة في بلادنا أن يكون لدينا أنشطة نقدية، ونقاد يكملون صورة المشهد الثقافي العراقي ويثرونه بأعمالهم.   

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram