TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > هي التي رأت: نبوءة الراحل ساراماغو

هي التي رأت: نبوءة الراحل ساراماغو

نشر في: 26 يونيو, 2010: 04:57 م

عبدالكريم يحيى الزيباريإلياذة العالم القديم لهوميروس، ولتولستوي إلياذة العصر الحديث، ولساراماغو إلياذة عصر العولمة، مدينة أصيب أهلها بالمرض الأبيض، العَمى التام الشامل في ملحمة إنسانية، إلا زوجة الطبيب، كانت تراقب كلَّ هذا الخراب والفوضى، كأنَّها تصف العراق الجديد( لا ماء، لا كهرباء، لا طعام، لا بدَّ أنَّ هذا هو العماء، هذا هو المعنى الحقيقي لكلمة العَمَى/ خوزيه ساراماغو- العمى- ترجمة: محمد حبيب- دار المدى- 2002- دمشق- ص269).
الناس عميان، يهيمون على وجوههم، يقتل بعضهم الآخر من أجل السلطة/ البقاء، ليس بمقدورهم أنْ يروا لهم وجوداً وبقاءً بغير السلطة، عميان  في مدينة الغائط(رأت رجالاً يفرغون مثاناتهم على الجدارن.. كان الغائط الذي بلله المطر، منتشراً في كلِّ مكان على طول الرصيف/ص261). هنا بدلاً من الغائط، تعالوا انظروا: دماءنا في الشوارع. (يخرجون في مجموعات للبحث عن الطعام وعن مأوى.. إننا نرتد إلى جماعات بدائية/ص297). (فحتى الحيوانات التي كانت مدجَّنة سابقاً، تصيد الآن في مجموعات، وتدافع عن نفسها في مجموعات بمواجهة صائديها/ص303). لكن التي رأت، لم تروِ دوماً ما رأتْ(فأنْ يسأل شخصٌ ما كيف أمكنَ معرفة أنَّ تلك الأشياء قد جرت في تلك الطريقة لا في غيرها، نقول هذا يمكن فهمه/ص307). لماذا لم يسمِّ ساراماغو شخصيات روايتهِ ولا مدينتهِ؟ حتى دخلوا بيت الأعمى الأول، ليجدوا كاتباً وزوجته وابنتيه، يسألونه(ما اسمك؟ لا يحتاج العميان إلى اسم، فأنا هو صوتي، وكل ما عداه لا يهم/ ص336). هل الأسماء لا تعني شيئاً للعميان؟ فكيف ينادي بعضهم بعضاً؟ كما لم يستخدم الروائي علامات تنقيط، تغميضاً لهوية المتكلمين، من مثل(برأيي أننا أموات الآن، إننا أموات لأننا عميان، ما زلتِ قادرة على الرؤية/ص292). والشخصيات(الأعمى الأول- زوجته، طبيب العيون، زوجته، مراجعي الطبيب: ذات النظارة السوداء، طفل أحول، الكهل)وبعض الشخصيات الأخرى التي تجيء فيما بعد إلى المحجر. ومن فلسفة الخطأ والصواب(إنَّ الخطأ والصواب طريقتان في فهم علاقاتنا بالآخرين، لا تلك العلاقات التي نقيمها مع أنفسنا، فهذه يجب أن نثق بها/ ص320). (إنَّ الصعوبة لا تكمن في معايشة الناس، إنَّما في دفنهم/ص348). (مدَّ يديهِ ليلمَّس المرآة، وكان يعلمُ أنَّ صورته فيها تراقبه، بوسعِ صورتهِ أنْ تراه، لكنَّهُ لا يستطيعُ أنْ يراها/ص47). لا يراها أي لا يستطيع أن يعرف نفسه، ولهذا أُعجِبَ سقراط بشعار معبد دلفي المقتبس من الكتب السماوية: "اعرف نفسك"، وابتعدَ عن اللغو(هذه أشياء نتفوَّه بها، عندما لا نعرف كيف ننظرُ إلى أنفسنا جيداً/ ص290). من أينَ هذا العمى الذي أصابنا؟ وماذا بعد العَمَى غير اللغو؟ وماذا سنقول نحن العميان، إذا كنا لا نرى شيئاً، فضلاً عن رؤية الحقيقة؟ و" أنّى يُقَرْطِسُ ذُو العَمَى، غَرَضَ المَرَامي بالسّهَامِ؟ ". يفترض ساراماغو: أنَّ كلَّ مَـنْ يرتكبُ ذنباً يُصابُ بالعمى، كسارق السيارة، والفتاة ذات النظارة السوداء(أنَّ ما أرادت قوله هو: أنَّها قد عُوقِبَت بسبب سلوكها المشين، بسبب تهتكها/ ص45). العشرات يتساءلون، والألوف لا يجدون فرصةً ليتساءلوا، هذا السؤال، لأنَّهم يفقدون الحياة: (مَن كان يعتقد، عندما غادرتُ بيتي صباحاً، أنَّ شيئاً فظيعاً كهذا سيحدث لي/ ص16)، مليون عراقي سألوا هذا السؤال، بعدما خرجوا صباحاً، ففقدوا عضواً من أعضائهم، بحسب آخر إحصائية لوزارة الصحَّة العراقية، تبدأ الرواية باستهلال من كتاب المواعظ(إذا كنت تستطيع أنْ ترى، فانظرْ، وإذا كنتَ تستطيع أنْ تنظر، فراقب)، وسوف أكملُ(وإذا كنتَ تستطيع أن تراقب، فاكتبْ) ثمَّ بوصف الزحمة التي تسبِّبُها الإشارات المرورية(أبقى السائقون أقدامهم المتعجلة فوق الدبرياج تاركين سياراتهم على أهبة الاستعداد، تتقدَّم وتتراجع كأحصنة تشعر بالسوط الذي يوشكَ أنْ يسوطها/ ص13). سيارة تتعطَّل، سائقها يخرج يده من النافذة للإشارة، لكن الأبواق الغاضبة لا تتوقف، خبطوا غاضبين على زجاج نوافذها المغلقة(والرجل في داخل السيارة يتلفت.. ومن الواضح أنَّه كان يصرخ بشيءٍ ما، ومن حركة شفتيه بدا أنَّهُ يكرِّر بضع كلمات، ثلاث كلمات تحديداً " أنا أعمى" كما اتضَّحَ لاحقاً عندما نجحَ شخصٌ ما بفتح باب السيارة أخيراً/ ص14). والمفروض بالمترجم أنْ يتجاوز الترجمة الحرفية ويكتب(كلمتين تحديداً). (ربما كان حلما مُخادِعاً، حلماً يجب أن يخرج منه عاجلاً أو آجلا/ ص20). رتبت الحوادث المهمة بحسب اجتهادي:حادثة 1: عمى فجائي يعجز الطب عن تفسير أسبابهِ. ح 2: الرجل الطيب الذي تبرَّعَ بأن يقوده إلى بيتهِ، سرقَ سيارته، دال على فساد المجتمع. ح 3: في تلك الليلة، حلمَ الرجل الأعمى، أنَّهُ كان أعمى/ص29. ح 4: سارق السيارة أُصيبَ بالعَمَى أيضاً/ ص34. ح 5: عميَ الطبيب/ص38. ح6: عميت الفتاة ذات النظارة السوداء/ ص41. ح7: الطبيب يكتشف(الطينة التي جُبِلنا منها: نصفها خبث ونصفها استهتار/ ص49)وذلك بعدما أغلق الموظف سماعة التلفون في وجهه وهو يحاول إخبار المسئولين عن خطورة وباء العَمَى. ح8: ذروة أولى للحدث، الخطر داهم ومُحدِّق، ووشيك الوقوع: الوزير يتحدث مع الطبيب الأعمى، ويأمرهُ بألا يغادر بيته/ ص53. ح9: زوجة الطبيب تدعي العمى في سيارة الإسعاف كي تبقى مع زوجها، التي ستأخذهما إلى المحجر، بينما والدة الطفل الصغير(كانت ت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram