عامر القيسي في الانظمة الدكتاتورية لاتحتاج الاحزاب المعارضة الى تقديم طلب السماح بتنظيم اي شكل من اشكال الاحتجاج، لان النتيجة معروفة، فابواب السجون والمعتقلات مفتوحة امام من يحلم بتقديم مثل هذا الطلب، لذلك تقوم هذه الاحزاب بتنظيم اشكال الاحتجاجات في مواجهة السلطة مباشرة وبالضد من ارادتها، وهو نضال يهدف الى اسقاط الدكتاتورية،
ويشتمل على اشكال متنوعة من العنف، بما في ذلك استخدام الاسلحة النارية، والمرحلة الصدامية دليل بارز على هذا النموذج من اللاعلاقة بين السلطة الدكتاتورية والجماهير. في الانظمة الديمقراطية يحدث العكس ضمن تقاليد حضارية وقانونية، حيث تقوم اجهزة السلطة الأمنية بتوفير الحماية للمتظاهرين وتساعدهم على ايصال مطاليبهم الى المسؤولين، وفيها انواع متعددة من الاحتجاجات، بما في ذلك، الاعتصامات والاضرابات عن الطعام وغيرها، وهو منظر شاهدناه في شوارعنا منذ سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003. وكان المنظر جزءاً من العراق الجديد الذي تحولت فيه الشرطة، من ناحية المبدأ، من شرطة قامعة الى حامية لاحتجاجات الناس، لذلك يتوجب تنظيم انواع احتجاجات المواطنين، في اطارها القانوني والدستوري الذي كفل للمواطنين حق التظاهر والاضراب والاعتصام بحماية القوات الامنية التابعة للسلطة، في مقابل ان يحافظ المتظاهرون على الاداء السلمي للتظاهرة وعدم استخدام العنف للتعبير عن الاحتجاج، مثل مساس ابنية الدولة التي هي ملك الجميع، أو الاعتداء على رجال الشرطة، في ظل هذا الفهم نستطيع ان نرى تظاهرات سلمية بحماية أجهزة السلطة نفسها ورعايتها. في اوضاع مشابهة لاوضاع العراق، يجري، للأسف، تجيير الاندفاعات والاحتجاجات الجماهيرية من أجل مصالح حزبية ضيقة وأهداف سياسية أكبر، كما في بيان المجرم عزة الدوري الذي دعا الى تصعيد اعمال العنف ضد الدولة، ودفع الهياج الجماهيري باتجاه الصدام مع القوات الامنية، وتحريك البعض للتعرض لمنشآت المال العام، وبذلك يتحول الاحتجاج والتظاهر الى اعمال عنف غير مرغوب فيها، لامن قبل الجماهير المحتجة حقيقة ولا من قبل السلطة نفسها. فيحدث ما يحدث، كما في احتجاجات البصرة والناصرية حول الكهرباء.قلنا في أكثر من مناسبة وعمود، ان النضال المطلبي من اساسيات توحيد التجمعات البشرية اينما كانت، فالمطالبة بتحسين الطاقة الكهربائية، ليس مطلبا سنيا ولا شيعيا، ليس مطلبا مسيحيا ولا اسلاميا، وقس على بقية انواع المطالبات والنضالات الجماهيرية، التقاعد، الرواتب، التعليم، الصحة، والنضال المطلبي هو من يوحد حتى الخطاب السياسي بالنسبة للحكومات والاحزاب السياسية. لكن خطورة هذا العمل الجماهيري النضالي النبيل، هي من استغلاله لاهداف اخرى غير التي نشأ وينشأ بسببها، أهداف تؤدي في نهاية المطاف، الى نوع من التصادمات تفرغ اهداف الاحتجاج من مضمونها وتقوده الى متاهات مجهولة.اكثر من شاهد في تأريخ الشعوب، شهد على ان العصابات والانحرافات السياسية قد قادت الكثير من انتفاضات الشعوب، الى غير اهدافها وانتهت في احضان اعدائها، وضاع الخيط والعصفور، كما يقال، والمطلوب من جماهيرنا ان تواصل نضالها المطلبي بكل اشكاله السلمية وان تحذر القفز عليها وسرقة تضحياتها، وادراك ان بنايات الدولة هي لها، وان حماية العملية السياسية الديمقراطية الجارية في البلاد هي ضمانتها للحصول على حقوقها، وليس ركوب الموجة من قبل الصداميين واعداء العراق الجديد. rn
كتابة على الحيطان ..التظاهرات والسياسة ومستقبل العراق
نشر في: 26 يونيو, 2010: 09:24 م