ستار كاووش
لا شيء يأتي عفو الخاطر، ولا خطوة تقدمك للأمام دون جهد حقيقي. فأنتَ تجتهد وتبحث لتصل الى نتيجة جيدة أو إنجاز أو فكرة جديدة، تطور مواهبك وإمكاناتك، لتضع حصيلة ذلك على الورق أو على قماشة الرسم أو أية واسطة تعبير أخرى. تحذف هنا وتضيف هناك، تغير في هذه الجملة أو تعدل في ذاك التعبير، لترضى في النهاية بصعوبة عن النتائج.
ومقابل ذلك هناك أشخاص يتربصون بما يقدمه الآخرون، لينقَضُّوا عليه عنوة ويأخذونه دون وجه حق. وهؤلاء يتناسلون على المواقع الإلكترونية وميديا الأنترنيت. وفي مجال الكتابة، لا يكتفي بعض هؤلاء فقط بمد أيديهم لإنجاز غيرهم، بل يمحون إسم الكاتب وينشرون النص تحت تسمية (منقول)! وهنا أتساءل: هذه النص منقول مِن مَن؟ فكلمة منقول هنا تبدو ملتبسة وليس لها معنى، فهي ناقصة ولا تدل على ماهية المنقول منه!، لأن النقل لا يتم إلا بوجود مكانين مختلفين، فأنتَ تعرفُ إذن من أين نقلته، لكنك لسبب ما لا تريد الإفصاح عن ذلك، وبذلك تسرق جهود غيرك دون وجه حق.
المناسبة التي دعتني لكتابة هذه الكلمات، هو ما وجدته على الميديا، حيث إن بعض المواقع والأشخاص ينسخون ما أكتبه، وينشرونه بعد حذف إسمي منه، ثم تذييله بكلمة منقول! ياسادة ياكرام، مازلتُ حياً أرزق، وهذه السرقات مفضوحة وغير لائقة، وهي تشير الى فراغ وخواء وعدم إحترام. وبالتأكيد أنا لا أقصد هنا الأصدقاء والصديقات الذين تعجبهم المقالات ويأخذونها من هذه المواقع دون علمهم بأنها لي، وقد إستجاب بعضهم بمحبة وأضافوا أسمي للمقالات، لكني أتحدث عن الذين يسرقون عنوة ولا يرف لهم جفن. ورغمَ أني لا أعتبر نفسي كاتباً، لأن هذه مسؤولية كبيرة حقاً، لكني -بعيداً عن الغرور والتواضع- أقول لهؤلاء، إن ما أكتبه حول الفن لم يأتِ بسهولة ومن فراغ، إنها ياسادة خبرة ما يقارب أربعين سنة مع الرسم مع قراءات ومتابعة وزيارة معارض، ثم إن كل اللوحات التي كتبت عنها كنت قد سافرت من أجلها شمالاً وجنوباً لمشاهدتها كأعمال أصلية في متاحف متفرقة من العالم والوقوف أمامها لمعرفة أسرار الصنعة واللون والمعالجات وما تخبئه من أسرار وتفاصيل، وبعد ذلك اجتهدتُ لتطوير لغتي العربية، وقرأتُ الكتب التي تتناول حياة الكثير من الفنانين بأكثر من لغة، أقوم بذلك مثل كل من يحب عمله ويجتهد من أجله، لِأُجَهِز نفسي بعدها لكتابة أشياء أحبها وقريبة من نفسي، وربما يستفيد منها الآخرين، وبعد كل هذا يأتي شخص لا يعرف من هو بيكاسو، يأخذ ما كتبته ويحذف أسمي، ثم يضع النص على موقعه أو صفحته، والأدهى من كل ذلك يشير له الآخرون بالمديح والثناء، ويهللون لمعرفته المتشعبة بالفن التشكيلي ودرايته العالية بتقنيات الأساليب الفنية أو حتى الإشادة بإختياراته الثمينة، وصاحبنا منتشي و(مبربع) كما نقول في العراق. أقرأ مقالتي التي لطشها وأبتسم وأنا أتخَيَّلَهُ يعود كل خمس دقائق ليلاحظ المديح في صفحته أو موقعه الإلكتروني، وهو يفكر بمقالة قادمة سيكتبها (عفواَ، أقصد سينهبها) ويحذف إسم الكاتب الحقيقي، ثم يُجَيِّرها لنفسه، يستولي عليها كأنه يرى بأن إسمه أحق من إسم الكاتب الأصلي، وكلما يتوغل بالأمر أكثر، كلما يعلو المديح ويزداد الترحيب بالكاتب المختبيء خلف الكمبيوتر، والذي مازال منشغلاً بالبحث عن طريقة يحذف فيها حتى كلمة (منقول)، وهو في حقيقة الأمر، لا يعرف من هو ريمبرانت ولا ماذا كان يفعل المسكين فنسنت فان خوخ.
عذراً لأن كلماتي تبدو محملة ببعض القسوة، لكنها بالتأكيد تنبع من حرص ومراعاة لحقوق الآخرين، وهي بكل الأحوال ليست أشد قسوة من السطو على نصوص الآخرين.