علي حسين
في كل مرة أحاول أن أجرب حل هذا اللغز المؤلف من ستة أحرف "الكرسي" ولكن، لا جدوى، لا أمل.. في تراث أجدادنا العرب كانوا ينظرون إلى الكرسي كبدعة انتشرت فيما بعد، حيث فضلوا عليه "التخت" وفرشوا عليه السجاد والوسائد ليستلقوا عليه بارتياح، وقد ذهب إعرابي لزيارة معن بن زائدة فوجده جالساً على تخت وثير فهجاه قائلاً:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكاً
وعلمك الجلوس على السرير
وقبل سنوات اطلعت على كتاب طريف بعنوان "ألف كرسي" مؤلفته شارلوت فيل، تخبرنا فيه أن الكرسي علامة على المكانة الاجتماعية والرسمية، ويعكس نفسية من يجلس عليه، وتضيف أن الإنسان عادة يفضل الكرسي الجميل والمهم، لكنه ربما لا يختار المريح.. وتذكر المؤلفة أن الآشوريين هم أول من صنعوا الكرسي وأن الصينيين طوروه، وأن الأميركيين اخترعوا النوع الهزاز والذي استبدلوه الآن بالمستر ترامب الذي يهتز عندما يسمع كلمة صحافة.
ولأننا قوم الكراسي فإن حكامنا عمرهم أطول من أعمار كراسيهم، لا تستطيع قوة أن تزحزحهم عن حكم البلاد، لا يهتز لهم جفن فهم يدركون جيداً أن شعوبهم خانعة، خائفة، لا تملك إلا الصمت ولا يصلح لقيادتها إلا حاكم يعشق كرسيه، حكام أبطال في قهر الشعوب، قادرون على أن يقرروا بأنفسهم كل شيء، طالما قلوبهم تنبض.. ليست مهمة أبداً أعداد القتلى من الأبرياء ولا قوائم الأرامل واليتامى، ولا تزييف إرادة الناس، فالحاكم يظل مبتسماً على الرغم من انتشار الأمراض كالفساد والخراب والقتل على الهوية، لأنه ينعم وحاشيته بخيرات "الكرسي"، وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.
ولأننا نعيش في عصر وباء الانتهازية والبحث عن المنافع، فأننا نسخر من وباء "كورونا" فهذا الشعب الذي تحمل منذ عقود طويلة كل أنواع الفايروسات السياسية، هل سيخاف من فايروس لايُرى بالعين المجردة؟، ولهذا وجدنا الطبقة السياسية تستقبل فايروس "الانتخابات " بترحاب، بوصفة سلاحاً سينشغل به المواطن المغلوب على أمره، ويترك الساسة "الأفاضل" يقررون مصير البلد، ولا يهم أن فايروس اللامبالاة الذي عشنا معه أثناء احتجاجات تشرين، راح ضحيته أكثر من 700 متظاهر، دون أن يرف جفن للدولة أو الطبقة السياسية .
نحن المساكين الذين أتعبهم تشبث عالية نصيف بكرسيها، وهي تصرخ " وا ديمقراطياه " فقد أخبرتنا أمس أنها ترفض المحاصصة لكنها أيضا تجد في حكومة الأغلبية خطراً على الشيعة فقط .. و لا تستغرب عزيزي القارئ مما تقوله السيدة النائبة فهي جزء من ماكنة إعلامية ابطالها لن يغادروا الكراسي التي تبني لهم ثروات في بلدان إخرى.. هذه إذاً قصة العراق في ديمقراطية "ما ننطيها".