TOP

جريدة المدى > تحقيقات > بسبب الأتربة وشح المياه وجشع المفسدين..بصرة النخيل صحراء

بسبب الأتربة وشح المياه وجشع المفسدين..بصرة النخيل صحراء

نشر في: 17 نوفمبر, 2012: 08:00 م

ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية في محافظة البصرة شهدتها أغلب المناطق في المحافظة، بعد أن أضحت غابات متحركة من السمنت تزحف بشراسةٍ على مساحات الخصب والنماء لتتضاءل المساحات الخضــراء أمام الزحف السمنتي القادم . ولإلقاء الضوء على حجم الكارثة الاقتصادية والبيئية التي  تخلفها ظاهرة  التجريف التي طالت المساحات الخضراء والبساتين التي كانت بمثابة "رئة" الوطن الخضراء، قامت "المدى" بجولة ميدانية في عدد من مناطق المحافظة .

أشجار متفحمة!
في منطقة السيبة كان في استقبالنا آلاف الأميال من الرمال في منطقة أصبحت صحراوية بعد أن كانت جنات عدن وليس جنة واحدة من بساتين النخيل الباسقة، نرى الآن عمتنا النخلة وقد تحولت إلى جذوع متفحمة تشكو سوادها إلى خالقها نتيجة ما حل بها من قنابل الحروب وشح المياه واستعمار الإهمال لبساتينها.
محافظ البصرة الدكتور خلف عبد الصمد قال للمدى: لقد فاقت جرائم التعدي على الأراضي الزراعية حدود التصور في تلك الحقبة المظلمة من تأريخ العراق، وما زال مسلسل تجريف الأراضي الزراعية مستمراً .
مبينا أننا لا ننكر دور أجهزة الرقابة البيئية التي تبنت هذه القضية في
محاولة وضع حد لهذا الذبح لأراضينا الخصبة، إذ أن التعدي عليها يفقدنا
مساحات كبيرة من الأراضي المنتجة، واستبدالها بأراضٍ مستصلحة يكلف الدولة الكثير لاستصلاحها ولا تعطي ذات الجودة والإنتاجية في الغذاء.
وأشار المحافظ: اليوم نسعى وبكل ما أوتينا من قوةٍ وعزم أن نحول كل
الأراضي المجدبة في البصرة إلى مروج زاهية للحفاظ على زيادة الرقعة
الخضراء وعلى ثروتنا الزراعية والاكتفاء باحتياجات الشعب من هذه الثروة المستباحة بفعل التجريف.

فقدنا اكبر مصدر طبيعي!
وقال مدير قسم البيئة، رئيس المهندسين، خيري عزيز السعد: يعد تجريف الأراضي  واقعا مأساوياً يتطلب من الحكومة المحلية تبني الحلول
والمعالجات الآنية لأن لها لتأثيراتها السلبية على الواقع الاقتصادي والبيئي.
وبيّن أن ظواهر التصحر والتعرية التي أصابت مساحات شاسعة من الأراضي وجعلتها يبابا، ما هي إلا نتاج عمليات التجريف التي اكتسحت الغطاء النباتي وخير دليل على ذلك التناقص الملحوظ في أعداد نخيل البصرة الذي يعتبر أهم وأقوى مصدر طبيعي للرياح التي تسهم وبشكل كبير في تجريف الأراضي الزراعية، وخاصة في قضاء شط العرب وقضاء المدينة وأبو الخصيب.
وأشار إلى أن النخيل مصدرٌ مهم لرفد اقتصاد البلد بما تشكله من عطاء كلي وخاصة بما تنتجه من تمور بالإضافة الى تثبيتها للتربة ومكافحة التصحر وتقليلها من درجات الحرارة وشدة الرياح.

تغيير جنس العقار
فيما أكد المهندس  محمد فالح البيضاني في مديرية الزراعة
ضرورة تفعيل قوانين حماية الغطاء النباتي مثل الغابات والبساتين والموارد الطبيعية الأخرى (التربة والماء).
وقال: إن قانون ( رقم 734) ينص على حق مالك البستان ومهما كانت مساحته، بناء دار بمساحة (300 متر مربع )، وقد خضع هذا القانون للتريث عام 2004 ، بالنسبة إلى البساتين داخل التصميم الأساسي فهي مشمولة بالقرار (222) الذي ينص على عدم التصرف في البساتين دون إشعار البلديات وحسب التصاميم المرسومة لها.
مؤكدا تفاقم  هذه المشكلة في البصرة وبقية المحافظات، وتحولت الأراضي الزراعية إلى مساكن وفلل، وهذا مؤشر سلبي كبير تتحمله الجهات التي التفت على القانون عن طريق تغيير جنس العقار وتحويله من بستان إلى سكن، ومن ثم إفراز ذلك قضائيا.

مجلس المحافظة يمنع تفتيت الأراضي!
ومن جانبه، قال عضو مجلس محافظة البصرة حسن خلاطي  :إن أزمة السكن التي يعاني منها البلد هي أحد أهم الأسباب التي تدفع بالمواطنين الى شراء الأراضي الزراعية أو التجاوز على أراض عائدة للدولة لتجريفها وبناء المساكن عليها .
وبين أن ما يزيد الأمر سوءاً هو تنامي ظاهرة البناء العشوائي في المناطق المتخمة ببساتين النخيل والخضراوات .. والعراق بحاجة ماسة لتأمين غذائه من الفواكه والخضراوات وإعادة ثروته من التمور .
وأشار إلى أن مجلس المحافظة  قد اصدر قانونا يقضي بمنع تفتيت الأراضي الزراعية وتحديد المساحات الخضراء، وسيتخذ المجلس إجراءات مشددة بحق من لا يلتزم بهذا القانون.

تبديد الثـروة الزراعية
ودعا الجهات المعنية بالمحافظة الى توفير قطع الأراضي لشرائح مختلفة من المواطنين والتي من شأنها أن تقلل من جريمة الاعتداءات على المساحات الخضراء .
موضحا أن التصميم الحديث للبصرة أخذ بنظر الاعتبار توفير مساحات واسعة صالحة للإسكان التي ستسهم بدورها في التقليل من حدة هذه الاعتداءات .
وقال قائممقام قضاء الفاو وليد الشريفي: إن الزحف العمراني على الأراضي الزراعية هو تبديد  للثروة الزراعية، حيث أدى هذا الزحف الى ضخامة المفقود من الأراضي الزراعية والمتمثل باستقطاع الآلاف من الأفدنة لبناء العديد من الأحياء السكنية والمشاريع الصناعية .
وحذّر الشريفي من زيادة معدل الزحف العمراني على أراضينا الزراعية لما سيترتب عليه من نقصها، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات والمحاصيل الزراعية.
وطالب  بضرورة اتخاذ إجراءات رادعة لمواجهة هذه القضية تتمثل في إزالة التعديات على الأراضي الزراعية ووقف أعمال البناء الجارية حاليا منوها بضرورة "تفعيل قرار (584) والقاضي بمنع  تحويل الأراضي الزراعية والصناعية والتجارية إلى جنس سكني" .
وكشف عن محدودية الصلاحيات الحقيقية الممنوحة لمسؤولي الوحدات الإدارية في الاقضية والنواحي لممارسة دورهم في منع تفاقم ظاهرة التجريف التي أصبحت مصدر تهديد حقيقي للغطاء النباتي .
وأكد ضرورة تفعيل المادة (8) من قانون حماية وتنمية الإنتاج الزراعي رقم (71) لسنة 1978 والتي تجيز لمدير الناحية في الناحية وللقائممقام في القضاء ونائب المحافظ الذي ينسبه المحافظ في مركز المحافظة النظر في قضايا التجاوز على الأراضي الزراعية والبساتين والتنازع على حدودها وحقولها المجردة .

رؤوس كبيرة تقف خلف التجريف
وقال قائممقمام قضاء أبي الخصيب إسماعيل العامري في تصريح صحفي: هناك رؤوس كبيرة وراء عملية تجريف البساتين وتقطيعها وبيعها على شكل قطع أراضٍ سكنية، مؤكدا أن كل عمليات البيع تتم خارج المؤسسات الرسمية (التسجيل العقاري والزراعة) وهي تتم عبر توقيع وكالات زراعية خاصة، غير ملزٍمة قانونياً تنتهي بوفاة الموكل، وهناك شخصيات كبيرة نعرفهم يعملون داخل أماكن خاصة تتم فيها عمليات البيع والشراء، دون أن تمر في مؤسسات الدولة المعنية .
وكشف أنه قام بإلقاء القبض على العديد من الرؤوس الكبيرة وسائقي
الشفلات والجرافات التي تجرف النخيل وإيداعهم السجن لكن، ومع الأسف يطلق سراح تلك المافيات بعد يوم أو يومين من قبل القضاء العراقي بكفالة مالية من قبل المحكمة.

النفط بديلاً عن النخيل
وأوضح العامري أن المشكلة تكمن في عدم وجود نص قانوني
يحمي النخيل ويمنع تجريفها من قبل المالكين.
وقال قائممقام قضاء المدينة باسم صالح: تبلغ مساحة القضاء 1037 كيلومترا مربعا بينما مساحة حقل غرب القرنة بمرحلتيه الأولى والثانية 830 كيلومترا مربعا، وبالتالي لا توجد أرض زراعية.
مبينا أن الأرض الزراعية التي كانت تستغل للزراعة تحولت إلى أراض
نفطية في الوقت الحاضر حيث تم تجريف كل المساحات الزراعية وبالتالي لا يعتبر القضاء في الوقت الحاضر قضاء زراعيا.
ودعا الدكتور فاروق عبد العزيز طه عضو هيئة الإرشاد الزراعي الى  ضرورة تفعيل قانون رقم (71) لسنة 1978  بشأن حماية المنتجات الزراعية وخاصة النخيل، الذي أخذ بالانحسار في وسط وجنوب العراق بحيث أصبحت أعداده لا تتجاوز الثلاثة ملايين نخلة في الوقت الحاضر، ولأسباب كثيرة منها بيع الفسائل إلى محافظات العراق وبعض البلدان المجاورة بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الفلاح، بالإضافة إلى نقص الموارد المائية وعمليات الري وقلة القروض الزراعية، فضلا عن الإجراءات الروتينية في إنشاء مشاريع تسهم في تطوير الماكينات الزراعية وتأهيلها.

عملية تشويه
مناشداً وزارة الزراعة أن تباشر حملة تشجير واسعة للفسائل في معظم
مناطق العراق تعويضاً لما أصاب أغلب بساتين النخيل من تجريف على أن تكون أسعارها مدعومة للفلاحين، وعلى دوائر الري في المحافظة المساهمة في الحد من التصحر الذي أصيبت به أجزاء واسعة من بساتين النخيل .
وكان وزير البلديات قد كشف عن توجه الحكومة إلى عدم تحويل أي منطقة خضراء أو زراعية أو بساتين إلى أراض سكنية ولا توجد أية استثناءات في ذلك، واصفا عملية تحويل الأراضي الخضراء إلى سكنية بـ"التشويه" إلى جانب انه فتح باباً لا يمكن إغلاقه على اعتبار أن الكثير من المواطنين ينتظرون أي موافقة ولو بسيطة حتى يتم استغلال تلك الأرض وتحويل جنسها، وهذه مشكلة كبيرة ستواجه بغداد والمدن الأخرى بحسب قوله.
وقال مدير بلديات البصرة إننا نحتاج إلى تضافر جهود كافة الأطراف
المحلية  للوصول إلى نتائج ايجابية مرضية.
وأضاف لقد قام مجلس (حماية وتحسين البيئة ) بتشكيل لجان عدة لبحث ظاهرة التجريف برئاسة (مديرية البيئة) في البصرة وعضوية (مديرية زراعة البصرة.(
و(مديرية البلديات) و(مديرية بلدية البصرة) و(الشرطة البيئية) و(هيئة
الري) و(الجمعيات الفلاحية). وضمن المقترحات التي أوصت بها تلك اللجان" وجوب سن قانون يسمح للمؤسسات البلدية بالتوسع في تصميمها الأساسي لغرض توفير أراض سكنية للمواطنين بدلا من شرائهم المساحات المخصصة للبساتين وتحويلها الى دور سكنية، والحد من سيطرة شركات النفط على معظم أراضي المحافظة سواء في أقضيتها ونواحيها أو في مركزها .

أزمة السكن
من جهته، يرى رئيس نقابة المهندسين الزراعيين  في البصرة علاء البدران ان تجريف  الأراضي  الزراعية سببه النقص الحاد بالأراضي  المخصصة للسكن من جهة ولعدم قدرة المواطن على شراء أراض  مخصصة لذلك الغرض أو عقارات بسبب ضعف  القدرة الشرائية للمواطن، وعدم وجود برنامج لمعالجة الأزمة السكنية التي  يعانيها العراق منذ تسعينات القرن الماضي، ولكون الأراضي الزراعية  قريبة من التجمعات السكانية فإنها تعرضت للتجريف والتقسيم وردم الأنهر وقلع أشجار النخيل  والمغروسات الأخرى في محاولة لتحويلها إلى أراض  سكنية .
وبين البدران أن الحاجة للسكن هي التي تجبر المواطن على تجريف
الأراضي  الزراعية ولعدم وجود  حلول  منطقية لمعالجة المشكلة. حيث ان الحكومة تعتقد ان الحل  في  الاستثمار  العقاري  وهذا الكلام غير
واقعي  لان القدرة المالية للمواطن  لا يستوعبها غلاء  أسعار العقارات
وحتى البيع بالأقساط لا يعالج أصل المشكلة وإنما جزء قليل وصغير
منها.

خسارة الفلاح البصري
وأشار إلى أن الحل  يكون بتخصيص  أراض  للسكن وتشكيل  هيئة عليا  لهذا الغرض تضم  وزراء  الإسكان والبلديات والمالية والنفط لتحديد مواقع إنشاء مدن جديدة كبرى ضمن خطة للعقود الثلاث المقبلة وتوسيع دائرة التسليف العقاري لتكون ملائمة لحجم الحاجة لسد حاجة القروض  ومنها مقترح أن تدفع الدولة للمواطن منحة ثابتة توازي 25% من كلفة العقار.
وقال المزارع حسنين جاسب، من سكنة ناحية الهارثة  إن الحفاظ على الأرض الزراعية هو حق عام، والفلاح شديد الحرص على أرضه أكثر من أي شخص حتى لو كانت تابعة للحكومة، لكن - والكلام لجاسب - ظهر بعض أصحاب النفوذ من تجار تقسيم الأراضي من الذين فقدوا الانتماء الى أرضهم وعاثوا فسادا فيها، وبدلا من تنميتها واستثمارها تعرضت للعبث على أيدي من لا يسعى سوى لمصلحته الشخصية، تاركين
الفلاح البصري الخاسر الأكبر في هذه القضية .
فيما أكد محمد الجبوري، مزارع في قضاء أبي الخصيب، ان ارتفاع أسعار الأراضي الملحوظ دفع بالكثيرين إلى بيع بساتينهم ومزارعهم لتحقيق فوائد مادية.
300 عاصفة ترابية سنويا !!
وكانت دراسة لوزارة البيئة بينت أن عدد العواصف الترابية التي يتوقع أن يشهدها العراق بعد عشر سنوات ستكون  300 عاصفة في السنة وسوف تتسبب بأضرار تتجاوز  100مليون دولار سنويا.
وبينت دراسة قامت بها الدائرة الزراعية في وزارة العلوم والتكنولوجيا
أسباب نشوء العواصف الترابية بكثرة في السنوات الأخيرة خاصة وان معظم أراضي العراق تقع ضمن المناطق غير مضمونة الأمطار سنويا ومنها صلاح الدين شمالا والأنبار غربا وبغداد والفرات الأوسط والمحافظات الجنوبية.
 وأوضحت الدراسة أن المناطق المخصصة للرعي بدأت وبعد عام 1991 تزرع بمحاصيل إستراتيجية كالحنطة حيث أدى ذلك إلى الإضرار بالتربة وقلة تماسكها نظرا لقلة الأمطار وانخفاض الغطاء النباتي أو عدمه عرّض التربة للتعرية وتطاير التراب.

الرش بالتنقيط
وبينت الدراسة أن تلك الظواهر أدت إلى تناقص مساحة الرقعة الزراعية وقطع الأشجار التي تستخدم كمصدات للرياح بشكل عشوائي، إضافة الى الهجرة القسرية وكثرة الأراضي البور.
ودعت الدراسة إلى  سن تشريعات وقوانين تمنع استغلال الأراضي غير مضمونة الأمطار لأغراض الزراعة وكذلك تطبيق منظومة ري متكاملة لغرض تعويض النقص في مياه الأمطار، وإعادة تأهيل المزارع والبساتين المحيطة بالمدن باستخدام المواد الكيماوية المثبتة للتربة، وتفعيل مشاريع مكافحة التصحر وإنشاء أحزمة خضراء وبشكل خطوط تعمل كمصدات للرياح والتي يتم ريها بطرق الري الحديثة (الرش بالتنقيط) الذي يوفر زيادة بالإنتاج إذا كانت المياه جيدة، فضلا عن العمل في برنامج تحلية المياه وتسميد النخيل والتمويل الذي سيسهم في إيقاف تدهور بساتين النخيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram