حازم مبيضين تثير الحملة الإعلامية التي تشنها حركة حماس ضد مصر اليوم الاستهجان،لجهة توقيتها والمبررات الدافعة لها،واتهام القاهرة بأنها فشلت في رعاية ملف المصالحة الفلسطينية،ليس أكثر من محاولة للتغطية على عدم رغبة حماس في إتمام تلك المصالحة،
كما أن اتهام مصر بالتراجع في رعاية ذلك الملف وأن دورها فيه لم يكن حيادياً وإنما تصعيدياً ضد قيادة حماس،يتناقض مع تصريحات سابقة تثمن ذلك الدور وتعتبره إيجابياً،أما الإعلان اليوم عن ما يقال إنه رفض مصر التعامل مع مساعي أمين عام جامعة الدول العربية فيما توصلت إليه حماس معه لتجاوز عقبة التوقيع على الورقة المصرية،فهو محاولة ساذجة للإيقاع بين القاهرة وعمرو موسى،الذي نعرف أنه لا ينطلق من فراغ،وأنه مؤمن بمجمل سياسات مصر تجاه القضية الفلسطينية. حماس تزعم أن القاهرة تنسق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس،لرفض التعاطي الإيجابي مع أي جهد لإنجاح جهود المصالحة،رغم أن الجميع يعرفون أن حركة فتح التي يتزعمها عباس وقعت الورقة المصرية الخاصة بالمصالحة،وهي تعلن اليوم أيضاً أن تلك الورقة تعد مدخلاً رئيسياً وأساسياً لإنهاء الانقسام،فيما تسعى حماس لتكريسه وهي تدرك أن حالة الانقسام لا تترك أي طرف قوي في الساحة الفلسطينية،لكن قيادات حماس المتمتعين بالإقامة في دمشق ويحركون منها الناطق باسمهم في غزة يؤكد عدم فهمهم آليات العمل المصرية في مجال السياسة الخارجية،التي يعتقدون أنها تدار بأسلوب التنظيمات،المعروف جيداً عند الشيخ محمود الزهار.كان على الزهار قبل أن يسعى بأسلوب ساذج لدق الأسافين بين القادة المصريين،بالقول إن الملف الفلسطيني ليس في يد الخارجية،وتوجيه سهام نقده إلى وزيرها أن يدرك أنه بذلك يهاجم القيادة المصرية بمجملها،لان القرار المصري يصدر عن سياسات ثابتة يدركها وزير الخارجية ويعمل على تطبيقها،وإذا كان الزهار يتصور أنه بهذا الأسلوب يستطيع أن يستزلم لأي جهة مصرية كي تسمح له باستخدام المعبر فإنه واهم وينطبق عليه المثل القائل " جاجه حفرت وعلى رأسها عفرت ". لان الواضح أنه على غير علم بشكل العلاقة الوثيقة التي تربط بين القيادات المصرية المشرفة على العلاقة مع الفلسطينيين.يحاول وزير خارجية حكومة غزة المقالة،المحبط من عدم تجاوب القاهرة مع صيغ التحايل الحماسية المقترحة،اقتراح إقامة مسار حواري جديد بين فتح وحركته،للتوصل إلى وثيقة جديدة،مع إمكانية التوقيع على الوثيقة الحالية، وبما يعني عملياً استمرار الحوار لفترة زمنية،مفتوحة على نقاط لا يمكن حسمها بشكل سريع أو في أفق قريب، وبما يوفر لحماس مخرجاً ممتازاً يخلصها من تحمل مسؤولية تعطيل المصالحة، والاستمرار بوضع يدها على قطاع غزة،ويعني ذلك عملياً أن عملية المصالحة ستراوح مكانها،وستظل تدور في حلقة مفرغة، كما يعني مضاعفة الأضرار على الوضع الفلسطيني السيئ أصلا.مصر لم تسع يوماً للانفراد بملف المصالحة بقدر ما كانت تستجيب لدورها القومي أولاً وللطلب الفلسطيني ثانياً،ولا يضيرها اليوم اقتراح الزهار استبدال الدور المصري بآخر عربي، لكنها تجد من واجبها التأشير إلى أن هذا يدخل في باب إلهاء الرأي العام عن حقيقة موقف حماس المتمثل باستمرار رفض الانخراط الجدي في عملية المصالحة والتوقيع على الوثيقة والسماح للسلطة الشرعية بالعودة إلى قطاع غزة، ومصر التي تعرف أن الزهار لا يملك من أمر القيادة شيئا، تعرف أن محركيه من دمشق يجهلون أو يتجاهلون أن استفزاز مصر قد يستدعي رداً محرجاً،لأن الدولة المصرية لم تعتد على أخذ مثل هذه الأمور باستخفاف.
خارج الحدود ..حماس تستفز مصر
نشر في: 27 يونيو, 2010: 06:33 م