TOP

جريدة المدى > محليات > نهر العشار يعاني الإهمال ويتحول إلى مكب للنفايات والمياه الآسنة

نهر العشار يعاني الإهمال ويتحول إلى مكب للنفايات والمياه الآسنة

نشر في: 4 إبريل, 2022: 11:18 م

 البصرة/ تبارك عبد مجيد

قبل نحو أكثـر من نصف قرن، وفي منتصف ظهيرة كل يوم تقريباً، كان علي يقف مع أقرانه من الحي، على ضفة نهر العشار، حاملين سناراتهم ويتسابقون من سيصطاد عددا أكثـر من الأسماك، يعود بها منتصرا لمنزله، الذي يتوسط أزقة البصرة القديمة.

علي الذي تجاوز الـ70 عاماً، يتحدث بلكنة بصراوية لـ(المدى) عن ذكرياته مع نهر العشار الذي يتوسط أحياء البصرة القديمة، ذلك النهر الذي كان يشبه (الزجاج الشفاف) لإمكانية الواقف على ضفته من رؤية ما في داخله من أسماك، على حد قوله.

"أولها العشار، وآخرها العشار"

في بداية القرن العشرين، بادر النائب في مجلس المبعوثان (البرلمان) العثماني، سليمان فيضي بإحصاء أنهار البصرة الواقعة جنوبي العراق، وذكر في كتابه المعنون (البصرة العظمى) أن "بساتين البصرة يتخللها 635 نهراً كبيراً رئيساً متصلاً بشط العرب، ويتفرع من كل نهرٍ من هذه الأنهر الرئيسة أنهار أخرى عددها بالمئات، بحيث يبلغ مجموعها آلاف الأنهار".

ويُعدّ (نهر العشار) أشهر تلك الأنهر وأهمها، حيث كان يُقال "البصرة أولها العشار، وآخرها العشار"، لأن النهر كان يقطع المدينة من شرقها إلى غربها قبل توسعها عمرانياً بكل الاتجاهات. حميد سعيد عضو في جمعية الفنانين التشكيليين في البصرة، يقول لـ(المدى) إن "نهر العشار يعتبر رئة البصرة ومتنفسها، حيث ينبع من شط العرب وينتهي عند منطقة يطلق عليها (نظران)، مارا قبلها بعدة مناطق تتوسط البصرة، من ضمنها منطقة الشناشيل التي بنيت في بداية القرن السابع عشر".

وتقع على النهر العديد البنايات المهمة، ففي صدر نهر العشار تشاهد سجن السراي، ومخفر سوق الدجاج ومحلة سوق الدجاج والبنك العربي الذي يقع على ضفة نهر العشار، إضافة إلى قصر الشيخ خزعل أمير بني كعب، أمير المحمرة في زمن العثمانيين، والذي أصبح مقراً للقصر الثقافي التابع لوزارة الثقافة، ومنزل عبد اللطيف منديل، الذي كان وزير التجارة في زمن الملك فيصل الأول، ويعتبر إحدى الشخصيات المتنفذة آنذاك، ثم أصبح المنزل مقراً لجمعية الفنانين التشكيليين، تقابله بناية القنصلية اليونانية آنذاك".

تقطع النهر عدة جسور تسهل العبور من ضفة إلى أخرى، أبرزها هي جسر المقام عند جامع المقام، يليه جسر الهنود أو المغايز الذي كان خشبيا جنب سوق المغايز، وجسر الغربان عند متوسطة البصرة. وهناك جسور مشاة كثيرة أهمها جسر يامين (الصبخة الكبيرة) عند شناشيل البصرة. وبحسب علي، كانت الزوارق تجوب نهر العشار ذهابا وإيابا، محملة بالبضائع والتمور التي تستخدم في صناعات مختلفة، وامتازت الزوارق في ذلك النهر بسعتها عن الأبلام الأخرى التي تواجدت في شط العرب، مثلاً من حيث سعة عدد الأشخاص حيث استخدمت للتنقل والتنزه أو نقل البضائع، وكان يطلق عليها "البلم العشاري"، والذي تغنى بوصف جماله المطرب فؤاد سالم بأغنية (يا بو بلم عشاري).

التلوث يضرب النهر

قديماً امتاز نهر العشار بصفاء مائه. ولشدة نقائه كان يستخدم للشرب، إضافة إلى الثروة السمكية الكبيرة التي كان يحتويها، وتحده على طرفيه الأشجار والبيوت والشناشيل الجميلة والدكاكين، اما الان فأصبح النهر مكباً للنفايات والمياه الآسنة، ومستودعا للتخلص من مياه المجاري تفوح منه روائح كريهة، ما جعله يصبح موطنا للحشرات الضارة ومصدرا للأمراض الانتقالية والتي تعود بالضرر على الساكنين بجواره.

كما يعتبر أصحاب المخازن المجاورين للنهر، مساهمين بصورة مباشرة في زيادة تلوث النهر، حيث يرمون في النهر المواد التالفة والمنتهية الصلاحية من المواد الغذائية ومستحضرات التجميل وغيرها. يقول (علي): إن التلوث الذي نشهده اليوم لم يكن موجودا لغاية مطلع السبعينيات، إذ كانت عمليات كري وتنظيف الأنهر الفرعية تجري بلا توقف على مدار العام.

في حزيران 2017 كانت وزارة النفط قد أعلنت، عن وضع حجر الأساس لمشروع تأهيل وتطوير نهر العشار في جنوبي العراق، والآن مرت خمس سنوات على هذا الوعد الذي لم يكن إلا كلاماً على ورق. هذا الإرث الذي يحمل مخزونا كبــــــــــــــــيرا من الثقافة المدمجة بذاكرة سكانها، يواجه اليوم العديد من التحديات التي قد تتسبب في اندثاره خلال السنوات القادمة، كونه مهمل من جانب الحكومة ومن جانب السكان الجدد للمنطقة. وتقول "أم حسين" وهي أحد السكان الأصليين لمنطقة العشار: "بعد عام 2003 غادر معظم السكان الأصليين وجاء غيرهم، رأيت البعض يفك القطع الخشبية من منازل الشناشيل التي تقابل نهر العشار ليبيعها، ومنهم من حول البيوت الأثرية إلى بيت عصري، إضافة إلى استخدام النهر كحاوية لرمي النفايات". وأشارت الى أن سبب عدم اهتمام الناس بإرث المنطقة، يعود لعدم ارتباطهم الروحي بها، كونها لم تشكل جزءا من مراحل طفولتهم وشبابهم ومشيبهم.

ويشدد الكثير من المهتمين، على ضرورة أن تعتني الدولة بنهر العشار، واستثماره بالشكل الصحيح لإعادة إحيائه، كونه يؤلف جزءا مهما من تاريخ البصرة والعراق وإعادة تأهيله واعتباره معلما سياحيا وتجاريا بارزا في هذه المدينة التاريخية التي شهدت العديد من الحوادث والأحداث المطبوعة في ذاكرة التاريخ منذ القدم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

العمالة الأجنبية تقلق عمال ذي قار وترفع معدلات البطالة
محليات

العمالة الأجنبية تقلق عمال ذي قار وترفع معدلات البطالة

 ذي قار / حسين العامل وفي حديث لـ(المدى) يقول رئيس اتحاد نقابات عمال ذي قار هشام عودة خضير العبادي عن تنامي ظاهرة العمالة الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة في ذي قار ان " العمال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram