علاء المفرجي
شهدت العقود الخمسة الماضية من تاريخ العراق هجرات (قسرية) الى كل مكان من اصقاع العالم، بسبب بطش النظام السابق الذي نتج عنه المضايقة وإنعدم الحرية .. ومن بين هؤلاء الكثير من المثقفين، والشعراء العراقيين منهم بشكل خاص.
فهل تضوعت القصيدة العراقية باجواء الغربة والمهجر..؟ وهل الشعراء، أولئك الضحايا المعذبون بأنين إيقاعات قصائدهم، ومراياها الصورية والدلالية، ؟ شكلوا مذهباً يشي بوطنهم (الجديد) وهل هناك أثر للبيئة الجديدة في التجارب الشعرية العراقية في المنافي والشتات.. أم أنهم وفي مرحلة عمرية إبداعية وقد ثبتوا على أسلوب معين لم يستطيعوا تغييره بيسر؛ فمن يقرأ قصائدهم ويقارنها بما كتبوا في المنافي، لا يجد جديدا ينم عن ثقافة جديدة.. ذلك لأن ذلك لن يضيف لهم كثيراً -في بلدان الثقافات الأنغلوسكسونية والفرانكفونية. وفي بلدان مستجدة الحضور في ثقافتهم .
(المدى) استطلعت أراء عدد من هؤلاء الشعراء الذين توزعوا في بلدان العالم ، ةوكانت هذه ارائهم.
خالد الحلي
ملبورن
في عالم اليوم، أصبح بإمكان الإنسان أن يتواصل مع كل فرد يعيش على كوكبنا الأرضي، عند وجود رغبة من الطرفين، و توفر كل منهما على جهاز كومبيوتر أو هاتف ذكي، و قد انعكس هذا على أن تأخذ مفاهيم الغربة و المهجر أشكالاً مختلفة تقل فيها درجات الاغتراب إلى حد بعيد، مع ضرورة أن تبقى لكل بلد خصائصه التي لا يمكن أن تذوب في خصائص الأخر.
ان الشاعر المغترب يكون قد تكون إبداعياً ومعرفياً، وقد ترسخت جذوره عميقاً في أرضه الأم، قبل أن يغترب، ولكن يمكن للاغتراب أن يغنيه بتعلم لغة أو لغات أجنبية، والاطلاع عن قرب على بعض خصائص ومعارف الشعوب، وهذا ما كان قد تعرف عليه إلى درجة ما في وطنه الأم. ولكن هذا يختلف بالتأكيد بالنسبة للمبدعين من أصول عربية الذين ترعرعوا ونشأوا في بلدان غربية.
في عالم متشابك زالت بين بشره حدود شاسعة و كثيرة، أصبح بإمكان الإنسان أن يتواصل مع كل فرد يعيش على كوكبنا الأرضي، عند وجود رغبة من الطرفين، و توفر كل منهما على جهاز كومبيوتر أو هاتف ذكي، و قد انعكس هذا على أن تأخذ مفاهيم الغربة و المهجر أشكالاً مختلفة تقل فيها درجات الاغتراب إلى حد بعيد، قريباً من روح التفاعل الإنساني، وبعيداً عن طروحات العولمة. إذ تبقى لكل بلد خصائصه التي لا يمكن أن تذوب في خصائص الأخر، بل يمكن أن تتفاعل وتتحاور بشكل مثمر و إنساني ، مع الحفاظ على الخصوصيات.
علي عبدالأمير عجام
أميركا
لا بيئة مكانية واجتماعية جديدة في نصوص الشعراء العراقيين بالمنفى، إلا ماندر. مالذي يعني هذا؟
ببساطة يعني عزلة عن البيئة الجديدة، مثلما هو العجز عن معرفتها والاتصال بها والتأقلم معها. صحيح أن الكتابة الشعرية عمل فردي لا يستدعي الاندراج في مهمة جماعية، لكن أن تكون سبباً لعزلة ثقافية وتعبيرية عن المكان والوجود فذلك يعني فعليا البقاء أسيرة المكان القديم ولغته وأفكاره، وإن حاول الشاعر إضفاء تعبيرات عن ثنائية المنفى – الوطن أو استخدام خارجي لألفاظ مكانية وانسانية تشي بالبيئة الجديدة.
الشاعر العراقي ظل عراقياً وإن قضى سنوات، بل عقوداٌ، في المنفى، لا تمسكأ بالهوية أو الانتماء إلى الأرض الأولى بل عجزاً عن التفاعل الحي مع البيئة الجديدة التي لم تعد جديدة بعد أن تأسست كمعنى وخبرة حياة عند عشرات الشعراء العراقيين منذ أن بدأوا الهجرات والمنافي في النصف الأول من القرن العشرين.
أديب كمال الدين
استراليا
لقد تماهت القصيدة العراقية مع أجواء الغربة والمهجر عبر نتاج الشعراء الذين تغرّبوا أو هاجروا، لكن الأمر، بالطبع، اختلف مِن شاعر إلى آخر اختلافاً شديداً تبعاً لمدى عمق تجربته الشعرية وتجربة الغربة لديه. مَن كانت تجربة الغربة قد تشظّت مع روحه حقاً فستراه قد أبدع وسيبدع شعراً متميزاً. فإن كانت تجربته الشعرية راكزة الملامح الفنية بشكل أكيد، قبل أن يشدّ الرحال عن العراق، فإنّ الغربة المتشظّية مع الروح هنا ستجعل منه شاعراً متفرّداً حقاً.
أما أنهم شكّلوا مذهباً فلا أعتقد بذلك، لأسباب عديدة أولها أن كتابة الشعر هو عمل فردي جداً ولا يصلح فيه التجمّع على الإطلاق، وحتى أولئك الذين «تجمّعوا»، تحت أي مسمّى كان، فقد برز منهم، فقط، مَن كانت شاعريته أكثر حضوراً وأصالة واكتنازاً واكتفى الآخرون بدور الكومبارس لاغير. وهذا الرأي يصحّ على الشعر والشعراء بغضّ النظر عن المكان والزمان.
وثانيها أنّ شعراء الغربة كانوا خليطاً مذهلاً من التناقضات الفكرية والروحية والفنية فكان شعرهم عمودياً وتفعيلياً ونثرياً بكل ما يمكن أن تتخيله من التقليد أو الضحالة أو العمق أو التفرّد.
محمد تركي النصار
اميركا
على مدى عقود من تاريخ هجرة الشعراء العراقيين إلى المنافي , كانت الاستجابات لمفهوم المنفى تختلف , بحسب طبيعة المشاربع الشعرية ومنظومة الرؤى والأفكار وثقافة الشعراء , فبالنسبة للبعض ممن تعتمد عوالمهم الشعرية على المفردات المحلية والزخم الوجداني للقارئ البسيط , لم يكن تغيير الجغرافيا ليحدث انزياحات في طبيعة البناء الشعري لديهم ,فهؤلاء لايعيشون اشتباكات مع الذاكرة و مفهوم الاخر وطبيعة الوطن البديل , اذ انهم روحيا ونفسيا يظلون يعيشون في مكانهم الاول وتظل نصوصهم محكومة باليات الاشتغال الاولى ذاتها .
وثمة عدد اخر من الشعراء ممن يمكن أن نطلق عليهم أصحاب المشاريع الكيانية والرؤى المغايرة والشغف بالتفاعل مع التجارب العالمية , تبدأ آفاقهم بالتفاعل السريع مع أسئلة المنفى وخلخلة الذاكرة والجغرافيا البديلة والاسئلة الوجودية التي تتخطى الجوانب المحلية لتعبر عن الهم الانساني الشامل .
إن مايقوي ويعزز المجموعة الثانية , وهي الأقل عددا لصعوبة المهمة التي يواجهها الشعراء , هي معرفة هؤلاء الممتازة باللغات الاجنبية واطلاعهم الواسع على مختلف تجارب الشعر العالمية , الأمر الذي يساعدهم على التواصل مع القارئ الآخر وايصال أصواتهم والتكيف مع سكان العالم الجغرافي الاخر بأقل الصدمات ودون السقوط في حالة الذهول والخرس التي يسببها الاحتباس الوجداني وموجات الحنين للوطن الام .
عبد الخالق كيطان
سيدني
-السؤال يقتضي أكثر من رد. الأول يخص المذاهب الأدبية بشكل عام. وهذا أمر، في تقديري الشخصي، لم يعد محل نقاش منذ أكثر من نصف قرن. الشعر اليوم، ونحن نتحدث عن الشعر الجديد، قصيدة النثر تحديدا، هو شعر جامح. شخصي جدا ومنفلت من التوصيفات التقليدية. وهذا يقودنا إلى الرد الثاني، ذلك المتعلق بالمكان وأثره في صناعة الشعر. وبالنسبة لي فإن المكان عنصر أساسي، مهيمن وضاغط، في الكتابة. قد تختلف نوعيات التأثر من مكان إلى آخر، ولكنها لا تغير من حقيقة أن المكان يدخل حتما في التجربة الشخصية للكائن. القصيدة العراقية، اذا ما تحدثنا عن الجديدة منها، هي قصيدة شخصية. عذابات المكان، وسعاداته أيضا، حاضرة بقوة، كما أتابع. لم تعد القصيدة تتغنى بالمكان الماضي، أو الرابض في الذاكرة، مع أن هذه الأخيرة قد تستدعيه في لحظة ما. لو نظر القارئ إلى حفنة من قصائد شعراء عراقيين يقيمون في بلاد الله الواسعة لاكتشف قاموسا لغويا جديدا مستنبطا، هذه المرة، من الأمكنة الجديدة التي حلوا فيها.
شخصيا تنقلت للإقامة في أكثر من مكان، داخل وخارج العراق، وفي كل مكان جديد تحضر عذابات جديدة، ولا أقول تختفي القديمة. لنقل أنها تتراكم. التجربة الشخصية هي التي تمنح النصوص خلودها، وفرادتها أيضا. تجربة شخصية فقيرة لابد أن تنتج نصوصا فقيرة. أعتقد صادقا أن تجربة «الاغتراب» أفادت الشعر العراقي كثيرا.
نعمان المحسن
تكساس
مازالت الذاكرة كأنها غيمة تتجول في أسواق البلاد وتدخل من نوافذ الصفوف لمدرسة كان حائطها من بنفسج طفولي وأصوات معلمات عاطرات بالحزن والحرص والآمال العصية ، مازالت غيمة الذاكرة تدخل في شارع المتنبي في صباحات الجمعة البعيدة وتتفرس في عنوانين كتب من ضوء وتراب وبعدها تتوجه نحو شارع الرشيد حيث الأعمدة وبنايات كالحة تحتضر وتذهب بعدها بعيدا نحو ساحة الأندلس وترمي نظرة من حسرات وأسف الى مبنى إتحاد الأدباء والذي لم يسأل عنا ابدا
مازال الشعر يغرف من تلك الأمكنة ومن تلك البلاد ومن أرواح تلك الشوارع والمدارس والأصدقاء ، مازال الشعر يحمل ويتحمل من تلك الأيام وتتشكل تناقضاته ومجساته وألعاب ميوله وزفرات قلبه وأشكال كلماته من تلك الساعات والتي تعملقت لتكون ذلك الدهر اللامع حد الألم وحد الوخز في عيون النوم وعيون النسيان
نحن من الجيل الأول في حساب هذا الإغتراب لم نستطع أن نتشكل ونستوعب هذا المكان الجديد لنؤسس رأيا أو شكلا أو عالما مختلفا في الشعر والسبب هي الذاكرة الثقيلة بإيقاعها وأوزان أحزانها ولهفتها العراقية وذلك الحبل الخانق الذي ربط الروح كسمكة مصادة بقوة ذاكرة غريبة لم تتخلص أبدا من أثقالها وإنجرافها نحو سنوات صمغية حادة
ضائعون ... ضعنا في بلادنا أولا وبعدها ضعنا في هذا المكان والبلاد الجديدة ، المكان وحده لا يستطيع ابدا ومهما تعملق وتوسع أن يرسم اللوحة الخاصة للقصيدة والذاكرة تعيش شططها وطيشها الطفولي والمتمرس والعنيد والملتصق بغرابة جنون نحو سنوات خلتها أنها رحلت وابتعدت وذبلت ونست ولكن كل ذلك أصبح بلا جدوى وكأنه حالة من كرة طين تيبست وتكورت وحملت كل الأسرار وتحملها عنق القلب وأخذ يتجول بها في شوارع غريبة وساحات بمدن وأسماء ولغة أجنبية لم يألفها ذلك القلب المشغول بغيرها .
صلاح حسن
امستردام
هناك اجيال من الشعراء العراقيين الذين عاشوا في المنفى خصوصا بعد فشل الجبهة الوطنية وهرب الشيوعيين الى الخارج ومن جاء بعدهم اثناء اشتداد الحرب العراقية الايرانية . بالنسبة للذين خرجوا مبكرين في سنوات السبعينات تابعنا تجاربهم بهدوء ولكننا لم نجد الجديد في تجاربهم وكانت اغلبها اجترار الذكريات التي عاشوها في العراق ، وهذا ينطبق على اكثر الشعراء باستثناء اسمين كبيرين هما سعدي يوسف وفاضل العزاوي . الشيء الغريب ان هؤلاء الشعراء الذين اتكأوا على الذاكرة وحدها لم يؤثر بهم المكان الجديد ولا الثقافة الجديدة وبقيت عيونهم مشدودة الى الوطن لكن مشاريعهم الشعرية لم تتطور . اما الشعراء الذين خرجوا بعدهم فقد تعلموا من تجارب هؤلاء وحاولوا ان يتمسكوا بتجاربهم التي نضجت في الوطن واصروا على تطويرها في المنفى وتقديم الجديد في ما يتعلق بالثقافة الجديدة وتأثيرها على تجاربهم . اذكر في هذا الصدد بعض الاسماء الشعرية التي كتبت وهي في داخل الوطن نصوصا مهمة وعندما خرجت من الوطن طورت تقنياتها وبقيت تكتب بنفس القوة والجدة مثل نصيف الناصري ومحمد مظلوم وباسم المرعبي وحميد الصائح .
بطبيعة الحال هناك ايضا اسماء جديدة نشأت في المنفى اصلا وتشربت الثقافة الجديدة في المنفى وبعض هذه الاسماء تكتب بلغة البلد الذي تعيش فيه وسوف يكون لها مستقبل مهم في السنوات القادمة .
سعد جاسم
أوتاتوا
الشاعر ؛ وأعنيه كمثقف أيضاً يسعى جاهداً وبكل قدراته وطاقاته الجسدية والروحية لمواجهة منفاه وكذلك فهو يجتهد في خلق حوار مع الآخر الذي يشاركه الوجود في المنفى ؛ وبعكس هذا فستلفّه دوامات الحيرة والذهول والأرتباك وقد ينتهي مصيره الى متاهة قد تخرّبُ روحه وتربك وجوده ، وأرى أن الشاعر الحقيقي قادر على ان يحول منفاه الى مختبر ويتماهى مع مجتمعه الجديد بطريقة انتقائية او بالارتماء بقوة في قلب ومفاصل هذا العالم الشائك والغرائبي ؛ ليحقق وجوده ويحاول أن ينهل من ثقافة الآخر ويتمثلها ثم يطرح اسئلته الكونية غير معني بالجاهز والسائد من الاجوبة ، وأنا لا أثق بالمثقف الهامشي رغم حبي له واعترافي به ، حيث ينبغي على المثقف / الشاعر أن يكون عضوياً ليؤكد حضوره في الوجود ، و(في الشاعر تتخفى ينابيع الفعل ) كما قال هنري ميلر ، والشاعر الحقيقي صاحب مشروع مستقبلي وهو مبتكر وخلاق دائماً ، وهو فينيق قادر بإستمرار على النهوض من رماد الخسارات والانكسارات ، وانا أرى نفسي مثل ناقوس يطرق عالياً عالياً ولايخفت رنينه ابداً، دائما تشغلني الحقيقة لا الوهم ، والشعر في حقيقته مغامرة وقلق ومنفى واختلاف ، وقد جُبلتُ أنا على هذه المغامرة وعلى القلق والاختلاف ، حيث ان هذه الحيوات والأقانيم تدفعني دائماً لأن أكون مغايراً ومُختلفاً في كتابة نصي ومشغولاً بالغور في مجاهيل الخفي والغامض والمسكوت عنه ؛ وقد كتبت الكثير من النصوص الشعرية عن منفاي الذي كنتُ ومازلتُ سعيداً ومتوهجاً وفاعلاً فيه رغم قسوة وعناءات ماعشته في هذا المنفى .
حيدر عودة
سان دياغو
اعتقد أن المغتربات ودول المهجر قد وضعت الشاعر العراقي بين خيارات الحياة الجديدة وبين أفق الشعر المحتمل. فتجربة العيش وفق فضاءات تتشظى فيها اسئلة الوجود والشعر معا، قد وضع الشعر نفسه بلا مصير ، تغذيه متاهات ومصائر الوطن، وتحاصره ذكريات لم تعد في المنال وتتخبط اشلاءها فوق امكنة الشاعر وخيالاته. بينما الشاعر منفي في ذاته وفي قصائده، كلاهما يبحث عن نفسه.
لم يترك البعض من الشعراء لتجربة المغترب او المهجر لكي تتسرب بقوة ووضوح نخو رؤياه الشعرية او تعنيق صوره ومواضيع قصائده او وبناء نص شعري جديد. والبعض الآخر خاض غمار ذلك وراح ينفتح شعريا على التجارب الشعرية الاجنبية والحياتية وربما اصاب منها وفيها شعرا مختلفا وشاعرية امتزجت الحكمة فيها ولمعت من شذراتها الفلسفة والتأمل العميق لامكنته الخاصة وذكرياته الآفلة.
يمكني القول ان أغلب الشعراء العراقيين في تغريبتهم منذ تسعينيات القرن الماضي( كوني قريبا منهم) ظل هاجس البحث عن شعرية ولغة مختلفة يبتكروها في امكنتهم البعيدة هي السمة الاوضح لشعرهم، على الرغم من حضور الذاكرة الاولى، بوصفها حنينا مستمرا يبحث عن اقنعة أقل قسوة وبكاء على الاطلال الشخصية.
نصيف الناصري
مالمو
- لا أشعر بالغربة الآن وأنا أعيش بمجتمع تتعايش فيه أقوام من 179 دولة. عشتُ حياتي كلّها بالعراق تحت وطأة الشعور بالاغتراب والضيم والتهميش والخوف، وما زلتُ أعاني من كوابيس الماضي. منحتني العزلة والصمت والإخلاص للكتابة، أشياء عظيمة والتواصل الدائم مع الكتابة ومحاولة خلق لغة وأساليب وأشكال خاصة بيّ. حتَّمت عليّ أن أغوص في قراءات للتاريخ والحاضر بعيداً عن التجمَّعات والدكاكين التي تتواجد فيها الجاليات العراقية والعربية.
تختلف المسألة هنا وتتعقَّد وتتشابك بين شاعر وآخر. الكثير من الشعراء العراقيين ظلوا يحافظون على المكان القديم وعوالمه عبر نوستالجيا فظيعة، وأغلبهم هجره الشعر إلى الأبد بعدما اكتسحته أوقات العمل ومحاولة تأمين لقمة العيش. سعيتُ منذ سنوات الى أن أكتب قصيدة لا يحدّها زمان ومكان. محاولاتي التأملية في التوحَّد مع الروح الكلي للطبيعة، جعلتني أحيا في بعض اللحظات بين أزمان وحيوات في الماضي السحيق والمستقبل البعيد، والشعر يخلق عوالمه وأمكنته وأزمنته عبر التخيّل والنشاط الذهني غير المحكوم بتلك الأشياء التي يحاول فيها صنَّاع الأدب أن يكبَّلوه بها.
- كنتُ ومازلت أطمح الى أن تكون القصيدة ذات محتوى فكري عميق وتعالج المسائل الكبيرة في الحياة والوجود ، بعد أن شوهت مفاهيم الشعر وقيمه الأهداف الايديولوجية للقوى التي هيمنت على واقعنا الثقافي والسياسي منذ عهود طويلة . لا أعتبر نفسي فيلسوفاً ولا مؤرخاً ولا مشتغلاً في الفلسفة . ما يهمني هي تلك الموضوعات التي تشغل بالي في الزمن والموت والحب والتحول والصيرورة وماوراء الوجود . هل لي أن أتحدث عن المطلق في لغة صحفية مباشرة ؟ ما يعوز شعرنا الآن هي الأفكار واللغة الجديدة والنظرة العميقة للأشياء في العالم ونحن نحاول أن نقدم قصيدة تسعى الى التصالح أو سبر الأغوار العميقة لتجاربنا ومخاوفنا وآمالنا في هذه المتاهة المعلقة ما بين لحظة الولادة ولحظة الموت .
جميع التعليقات 1
Anonymous
تحقيق جيد . لماذا لم يعد هؤلاء الشعراء إلى بلدهم العراق حتى الآن بل ظلوا في مهاجرهم حتى الآن ؟ سؤال مستحق . مع الشكر ل(المدى) الغرّاء . وليد محمود خالص