اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: حمامة المسجد التي نحبُّ

قناطر: حمامة المسجد التي نحبُّ

نشر في: 5 إبريل, 2022: 11:03 م

 طالب عبد العزيز

أضافت مجموعاتُ الطيور والحمائم الى أماكن العبادة، وعلى مدى الزمن، أبعاداً روحية أعلى، وجعلت السلام والطمانينة بأكثر من معنى وصورة هناك، على المنائر والقباب في المساجد والحسينيات بألوانها المختلفة، وعلى أبراج الكنائس، وفي الاديرة والابرشيات، وفي صواري مكبرات الصوت حتى غدت لازمة تشير الى الامكنة تلك، وتدلُّ عليها، بل ولعلها كانت رسمةَ الجمال والصفاء، التي تشخصُ الابصار لها، منشدة كلَّ ما هو فطرة وخير.

وليس غريباً وصف المتعلقة أرواحهم بالصلاة بـ (حمامة المسجد) اللقب الذي أطلق أولاً على عبد الله بن الزبير، ولم ينته عند الحاج مالك عبد الكريم، حمامة مسجد البصرة الكبير، أو مصلٍّ بعينه، فمحمول اللقب دالّة على كثيرين، ممن تعلقت قلوبهم بامكنة العبادة، حتى صاروا حمائمها. هذه القرينة باذخة الالق، وخالصة الجمال، تجعلنا ننظر الى الحياة عبر نافذة أكثر اشراقاً، وأقل ظلاماً، بما يحرّضنا على جعل أمكنة أخرى مستقطبة لتلك الارواح، مثل فساحة المدرسة، وحديقة الضاحية السكنية، والمتنزه العام، وأبراج الاتصالات، و صواري السفن القديمة، والفنارات على السواحل، وشرفات المنازل والأشجار العالية ... كل ذلك أمكنة تليق بالصفاء والتامل، إذا أوجدنا الإنسان لها.

ليست الامكنة المرتفعة والملونة بالذهب والتركواز من يجلب أسراب الطيور وجماعات الحمائم حسب، إنما الترّنم بالتلاوات، والاصوات الشجيّة التي تعرف السبيل الى النغم، فتمدُّ وتطيلُ وتقرِّبُ، وتشدو وتنشد. حدثني أبي(1911-1978) ذات يوم عن شكاية أحد حاخامات الطائفة الموسوية(اليهود) بالبصرة القديمة، الى مختار محلة الباشا، من مقرئ القرآن، في المسجد القريب، الذي يطيل بقراءته، وبما يتسبب بتأخر بناتهم في الذهاب الى المدرسة، لأنهنَّ يقفن، مصغيات، مفتوناتٍ بصوته الشجي، المعبّر، المنضبط على سلالمه. أفكرُ بآذان وقلوب المساكين من جيران المساجد والحسينيات اليوم، وما أكثرها. بل وما أجهل أصحابُها بقواعد القراءة والتلاوة ومخارج الحروف، هناك أصوات تفزع الحمائم، والله.

أكتب المادة هذه وانا انصتُ أسِفاً وآسِفاً لتلاوة مؤذن المسجد القريب من بيتي، فقد كان صوته خشناً، يصدرُ عن حنجرة يابسة، ويلهج بلسان فيه من العُجمة الكثير، كنت أفكّر بعدد الحمائم التي طارت فزعة من المنارة، ومن الأشجار التي هناك. أفكّر بالنسوة اللواتي يتصفحن الآن، على شاشات هواتفهن صور دور العبادة في العالم، ويتطلعن الى الحدائق المحيطة والباحات الوسيعات، والمناظر الخلابة هناك، ويقارّنَّ، وأشرك أهلي العراقيين، الذين يتأملون الحياة والناس والطيور في مسجد آيا صوفيا، والمسجد الازرق باسطنبول.. كنت قرأتُ جملة مترجمة، هي الاصدق عندي الآن، تقول:" النافذة التي لا تطلُّ منها امرأة جميلة يجب أنْ تُغلق ويُعرضُ المنزل للبيع". هل نحصي الأحاديث التي توصي بالجيران، هل نستعرض الحكايات التي تقضي باهمية الجار ووجوب عدم إيذائه.

تظل صورة الاضرحة في بغداد وكربلاء والنجف وسامراء بطيورها وحمائمها التي لا تفرُّ من الزائرين أصدق، في ما نذهب اليه، فهناك مشهد سحريٌّ آخر يتجلى، ما أحرانا بتأمله، وجعله صورةً دالة على الارواح، والانفس التي فيها، والتي تقصدها. في شرقنا العربي المسلم من الجمال ما لا يحدُّ، وفيه من الالفة والطمانينة ما لا يصدّق، ولدينا -في العراق- أمكنة وفرصٌ عملية، ورؤى مشرقةٌ لو أحسنا تسويقها والتعامل –إنسانياً- معها، لتغيرت صورة الدنيا من حولنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram