إياد الصالحي
كشف اتحاد كرة القدم أمس الأربعاء، عن النموذج الجديد لكأس العراق الذي صمّمه النحّات البارع أحمد البحراني على شكل شجرة تتوسّط في قمتها كرة القدم، وتبرز فيها ثماني عشرة ورقة وغصنٍ وجذرٍ بعدد محافظات الوطن، أراد لها الاتحاد أن تكون رمزاً لـ (شجرة الحُب والسّخاء) حسب وصفه، خلال مسيرة اللعبة لما تمثّلهُ الكأس من مشاركة واسعة للأندية في المسابقة الثانية العريقة بقِدم تاريخ أبناء الرافدين منذ أول نسخة لها موسم (1948-1949).
اللافت في جمال تصميم البحراني، الذي سبق أن صمَّمَ منحوتات مهمّة مثل كأس بطولة العالم بكرة اليد 24 التي فازت بها فرنسا على حساب قطر (25-22) هدفاً في نهائي صالة لوسيل بالدوحة في الأول من شباط عام 2015، وكذلك كأس الخليج بكرة القدم 24 التي أنتزعتها البحرين بعد فوزها على السعودية بهدف في الثامن من كانون الأول عام 2019، اللافت في كأس العراق، أن جمادها يستوحي الحيوية والواقعية في الفكرة والتعبير من العراقيين البُسطاء المُحبّين والمُضحّين بسخاء بلا مقابل لنشر السلام والخير، ولا حياء لمن لا حيوية ولا واقعية له سواء كمعنيين عن تدبير شؤون كرة القدم أو من مارسها كسلوك مُشين في تصرّفاته مثلما شهدت عليهم الملاعب وغرف الإدارة لعموم المُنتمين للعبة طوال السنين الماضية!
تأمّلوا في كأس العراق، وأخجلوا من فضحها لأنانيّتكم التي رمت طموحاتكم بعيداً عن مصلحة البلد الذي لم يرَ وحدتكم في المحافظة على حقوق كرته مثلما تكاتفت الأغصان والجذور في الشكل البهيّ للكأس الجامدة في صورتها والصارخة برسالتها العظيمة عن تآلف ثماني عشرة محافظة غالية في أسوأ محن الحروب، فيما أنتم تتقاتلون من أجل منافعكم المؤمّنة بأصوات ثمانية عشر ممثلاً للاتحادات الفرعية الشريكة في تقزيم قامة اللعبة والإساءة لها بنتائج منتخباتها الهزيلة في دروب آسيا والعرب بسبب رفع أولئك الناخبين شعار فاقدي الإرادة (كلّنا فلان الفلاني) وهو آخر من يُبالي بمستقبلهم ومصيرهم!
حكمة البحراني، أبن بابل التاريخ، في تصميم كأس العراق، رسّخت الانتماء للأرض الطيبة، منبع الأصل وموطن السلام والحضارة الأولى، فهل استلهمتم الفكرة؟ فماذا جرى لكم وأنتم تتّخذون من منافسات اللعبة ذريعة لقدح شرارة الشغب في ملاعب عُدّت للّقاء بروح نقيّة لا عدوانية، مشوّهة بالضرب والتلاسن والتهديد في بثّ مباشر لبعض مباريات الدوري؟
ماذا ترك بعض رجال العِلم ممّن تولوا مسؤوليات أكاديمية وهم يتلاكمون أمام الناس ثأراً لخسارة مباراة، لغير المتعلّمين من المشجّعين المتعصّبين غير صور الحقد والشتائم كأنّهم غرباء في وطن لا تجمع بينهم صلة الرحم وطُهر الدم وعبق النهرين؟!
كأس العراق يحتضن كرة الوحدة التي عَرف العالم قيمتها عام 2007 في آسيا جاكرتا، فخذوا نموذجاً منها هديّة الى جياني انفانتينو ليتمعّن فيها، وآمل أن لا يرتجف منها مثل سلفه، ويؤمِن بعقلٍ مفتوح أنها الكرة الحاقنة لدماء ملايين العراقيين التي فاضتْ وواستْ أحزان دجلة والفرات في زمنٍ مشؤوم!
كُرتنا يا جياني، الأمان كلّه، يوم فقد العراق أمنه على الأرض، وعليك أن تمزّق كل تقارير الأمن الصادقة والمُغرضة، وتبرّئ مسؤوليتها ممّا يجري ضمن عمليات تصفية الحساب بين الدول في المستطيل الأسود للسياسة، فلا شأن لها بها، وفُكَّ قيد الحظر عن معصم ارتكازها، وأطلق الحرية لشبابها كي يواصلوا إرساء الأمن في زوايا لعبتهم، بدلاً من تشريدهم في أراضي الأشقاء والغرباء بحثاً عن ملاعب بديلة!
كأس العراق تلّونت بالذهب والفضّة والبرونز كتحصيل حاصل لمن يقبض على لقبها ووصافتها وهكذا حسب المراكز، لكن تبقى رمزية شجرة العطاء فيها فارغة الى زمن طويل حتى يتولّى جيل جديد قيادة اللعبة بفكر مختلف، متواضع بنجومية خُلقه، ومُحترف في نظامه، وغير مكترث لاصوات تحابيه أو تمقته، جيل يحترم اسم منتخبه ويسعى بكل ما يملك من عزيمة ليبقى بين كبار القارّة وينعم بكؤوس المجد، ولا يرضى أن يبقى فقيراً يبحث عن فتافيت الحظوظ، فيما يلتهم المنتفعون من اسمه المغانم الكُبرى أثناء مرورهم الطارئ!