 واسط / جبار بچاي

سنوات طوال ومازال هور الدلمج يعاني الإهمال وتسلط بعض المنتفعين على ثرواته التي تدر يوميا عائدات مالية كبيرة نتيجة صيد الأسماك، وهو أيضا معلم ترفيهي مهم تتعلق عليه آمال محافظتي واسط والديوانية وكان بالإمكان أن تتحول إليه بوصلة السياحة الداخلية ليحقق مدخولات مالية كبيرة وتوفير آلاف فرص العمل لأبناء المحافظتين فيما لو تم استثماره وفق القانون.

وأقرت وزارة البيئة مؤخراً هور الدلمج كمحمية طبيعية بيئية، ويهدف هذا الإجراء الى تعزيز جهود العراق في الحفاظ على النظام الايكولوجي والتنوع الإحيائي وفق التزامات العراق في اتفاقية التنوع الإحيائي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق الاقتصاد الأخضر المستدام.

ويأتي إقرار الدلمج محمية طبيعية بعد سنوات من عمل وزارة البيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبدعم من مرفق البيئة العالمي في تنفيذ مشروع إعداد شبكة المحميات الطبيعية في العراق.

بحيرة الدلمج

الدلمج مسطح مائي كبير يقع بين محافظتي واسط شرقاً والديوانية غرباً ويتغذى من مبزل المصب العام أو ما كان يعرف بـ (النهر الثالث) بين دجلة والفرات، يحتل الدلمج مساحة شاسعة منها ثلثين في محافظة واسط والثلث الآخر في محافظة الديوانية، ويبعد الهور عن مدينة الكوت نحو 47 كيلو متراً غرباً.

الدلمج ليس هوراً طبيعياً، هو بحيرة تم إنشاؤها في ثلاثينيات القرن الماضي، كخزان للمياه الناتجة عن الفيضانات التي تحصل في الجانب الغربي لنهر دجلة، لكنه تحوّل الى مسطح مائي كبير وجزء من منظومة تشغيل المصب العام، إذ يستخدم كخزان مائي وقتي لتخفيف الضغط عن المصب العام في منطقة السايفون عند تقاطع المصب مع نهر الفرات جنوب الناصرية وترتبط مع الدلمج قناة تعمل بتحكم ميكانيكي لتصريف مياهه نحو المصب العام عند الحاجة.

تتراوح أعماق هور الدلمج ما بين متر عند الحافات الى نحو ستة أمتار ويتميز الهور بوجود غطاء نباتي مؤلف من نباتات مائية بارزة من نباتات القصب والبردي ونباتات غاطسة كثيرة أهمها الشمبلان وقد تم إنشاء سدة ترابية حول محيط الهور بالكامل لمنع عبور مياهه للأراضي الزراعية القريبة.

آثار وطيور وأسماك

تقع حول محيط الهور مناطق أثرية كثيرة جدا هي امتداد لمدينة نيبور الأثرية غرباً وموقع تل البقرات في قضاء الأحرار بمحافظة واسط شرق الهور الذي يعتبر حاليا من المصادر المهمة لصيد الأسماك وترتزق منه أكثر من ألفي عائلة.

ومن أهم أنواع الأسماك الموجودة في الدلمج، هي البني والكارب والحمري والشلك وغيرها لكنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن كميات الأسماك التي تباع من الهور يومياً كون عملية الصيد تتم من قبل أشخاص يقال ان لديهم تعاقدات حكومية.

يشتهر الدلمج بأعداد كبيرة من الطيور التي تتميز بجمالية ألوانها وأصواتها الصادحة التي تفد إليه سنويا من أوروبا وآسيا، ومن أشهرها طائر الواق الأبيض الصغير، القبرة، أبو المغازل، الرفراف الابقع، العصفور الوردي، غراب الماء القزمي، لبشلون الأبيض الصغير وغيرها من الطيور الأخرى مثل الخضري والحذاف وأبو سميجة وغير ذلك من الطيور الفريدة والجميلة.

مطالبات بمزيد من الاهتمام

يقول محافظ واسط محمد جميل المياحي "استبشرنا خيراً أن وزارة البيئة أقرت مؤخرا هور الدلمج محمية طبيعية بيئية لكن ما نريده هو الفعل وليس القول، نريد أن نلمس خطوات واقعية على الارض تجسد طموحات أبناء واسط والديوانية بأن يكون الهور فعلا محمية طبيعية بيئية".

وشدد المياحي على ضرورة أن "ترافق ذلك أيضا خطوات فاعلة في تنفيذ وإنشاء أماكن ترفيهية وشاليهات ومراسي للزوارق وغير ذلك من متممات النشاط الترفيهي والسياحي".

وأضاف، ان "هور الدلمج من شأنه أن يحقق مردوداً اقتصادياً كبيراً لمحافظتي واسط والديوانية ولهذا نحن نتطلع الى استثماره على نحو صحيح، فالموارد المتوافرة فيه كثيرة منها الثروة السمكية التي تشكل الثقل الأكبر فيه".

وزاد المياحي "تتواجد في الهور العديد من أنواع الأسماك التي تتميز بسرعة التكاثر والنمو بحكم طبيعة الهور والغذاء الطبيعي الموجود فيه".

ولفت، إلى أن "الإنتاج السنوي من مختلف أنواع الأسماك قد يصل الى كميات كبيرة جدا لو تمت السيطرة على آليات الصيد ومنعه في موسم التكاثر، مما يساعد في سد جزء كبير من حاجة البلد من الأسماك وانخفاض أسعارها".

وأوضح المياحي، أن "موضوع الأسماك هو جانب واحد من حيث الأهمية لهذا الهور لكن هناك ثمة جوانب أخرى منها الإكثار من الثروة الحيوانية وخاصة تربية الجاموس الذي يتميز بإنتاج الحليب ومشتقاته".

وطالب بـ "إنشاء مصانع لمنتجات الحليب وهو عامل آخر يساعد في توفير تلك المنتجات للسوق المحلية ومنافسة المستور إضافة الى توفير المئات من فرص العمل لأبناء المحافظتين".

وأفاد المياحي، بان "الجانب الآخر المهم في هور الدلمج هو أن يكون منطقة سياحية متكاملة بالإمكان أن تحول بوصلة السياحة نحو هذه المنطقة التي تعوزها في الوقت الحاضر الكثير من الخدمات في مقدمتها الطرق المبلطة".

ولفت، إلى ان "منطقة الدلمج تعد واحدة من أجمل المناطق السياحية وهي ذات طبيعة مناخية منعشة وغالبا ما يفد اليها سائحون من مختلف المحافظات العراقية خاصة في المناسبات لكنها ستكون أجمل بكثير لو تم استغلالها بشكل صحيح".

ومضى المياحي، إلى أن "الاستثمار في الدلمج هو أفضل السبل لإحياء هذه المنطقة وتحولها الى منطقة جذب كبيرة".

الصيد الجائر للطيور والأسماك مرفوض

من جانبه، ذكر أركان الشحماني، رئيس الهيئة الإدارية لنادي الزيتون الرياضي في قضاء الموفقية، "قصدنا الدلمج في أعياد نوروز وقضينا يوما جميلا هناك برفقة أعداد كبيرة من المواطنين الذين قصدوه من عدة محافظات".

وأضاف الشحماني، "صحيح الدلمج بيئة ترفيهية جميلة لكن تعوزه طرق المواصلات والكهرباء والماء الصالح للشرب وهناك حاجة ماسة الى برج للاتصالات وقطع للدلالة مع ضرورة وجود زوارق مرخصة للنزهة ومشيدات خدمية".

وشدد، على أن "الطيور الفريدة فيه تتعرض حالياً الى تهديدات قد تؤدي الى انقراضها ومن أهم تلك التهديدات أساليب الصيد الجائر التي يتبعها البعض في ظل غياب الرقابة الحكومية وعدم وجود الحماية عليها".

وطالب في الوقت نفسه "بإجراءات عقابية رادعة بحق المخالفين لقواعد الصيد سواء للطيور أو الأسماك".

وقال الشحماني، "نرفض استخدام أساليب الصيد الجائر للطيور والأسماك حيث أن وجود أنواع نادرة من الطيور والأسماك وحتى الحيوانات يعد عاملا مشجعا لإنشاء محميات خاصة بها وهو ما يزيد من أهمية الهور وجعله معلما سياحيا مهما في البلد ومنع التجاوزات التي تحصل عليه".

يذكر أن هور الدلمج يعد من المصنفات العالمية حسب المنظمة العالمية للحفاظ على البيئة التابعة إلى الأمم المتحدة لما يتميز به من تنوع بيئي وجغرافي ساهم في جذب أنواع كبيرة من الطيور والحيوانات البرية المختلفة والنادرة ومعظم تلك الطيور تأتي من بلدان وقارات بعيدة خلال مواسم هجرتها.