علي حسين
ما أن يحل يوم 9/4 من كل عام حتى يشتعل الفيس بين عشاق كلمة "تحرير"، ومنظري عبارة احتلال.. وتختفي الأزمات التي تحاصر المواطن العراقي.
لعل أول كلمة نطقها المواطن العراقي بعد 9/4 كانت "حرية"، فقد عانت الناس على مدى عقود من الاستبداد والدكتاتورية، لكن هذه الناس نفسها اليوم، وهي تدخل العام التاسع عشر من التغيير، تجد كلمات القانون والحرية والعدالة الاجتماعية مطاردة في كل مدن العراق، وأن امريكا استبدلت نظام صدام بنظام آخر بنفس فايروسات الاستبداد وشهوة السلطة.
سقط تمثال صدام في 9/4 فأنشأت أحزاب الطوائف تماثيل جديدة لساسة اعتبروا التغيير ماركة خاصة سُجلت بأسمائهم.. لا مفاجأة على الإطلاق في أن يشعر العراقيون بأنهم خُدعوا وأن ما يجري هذه الأيام لا يختلف كثيراً عمّا جرى في ظل نظام "القائد الضرورة"، سقط تمثال صدام لكن نظامه وعقليته ما يزالان في مكانهما، فسلوكيات العديد من سياسيينا ومسؤولينا ليست بعيدة عن نظام دولة القائد الأوحد. وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز، وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيراً وهم يتابعون مشهد إلقاء القبض على صدام، فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام. ولعل السؤال الذي يجب علينا طرحه ونحن نستذكر ما جرى منذ 2003 هو ما معنى كل التضحيات التي قُدمت في الخلاص من نظام دكتاتوري لنجد أنفسنا في النهاية أمام دكتاتوريات متخفية باسم الطائفة والمذهب والعشيرة وقوة السلاح، تمارس أبشع أنواع الترهيب والتخوين لكل من يختلف معها في الرأي، ما معنى أن يجد العراقي نفسه أمام وسائل قتل جديدة؟.. فبعد أن كانت الناس تُغيب في المعتقلات وزنزانات الموت، نجدهم اليوم يُغيبون ويُقتلون باسم الدفاع عن النظام السياسي الجديد، ما معنى أن تُستبدل أجهزة صدام القمعية بفرق الموت التي ترهب العراقيين؟. بعد ثمانية عشر عاماً يشعر العراقي بالغربة في وطنه، فلم يكن هذا هو الوطن الذي حلم به بعد 2003، والذي سُرق منه في وضح النهار.. خرجت الناس تبحث عن الحرية والإخاء والمساواة.. فإذا هم بعد ثمانية عشر عاماً يستيقظون على بلاد تحكمها ثقافة الجهل والفقر والمرض، وساسة يمارسون ديمقراطية البلادة والتفاهة واللصوصية.
بعد 4/9/2003 انشغل الإعلام وشُغل كل الرأي العام العالمي بمصطلح "الحواسم" حيث كان الشعب الجائع والمقهور يبحث عن أية وسيلة ليفرغ غضبه ضد الظلم والجور والعوز، معظم الكتاب والمعلقين انشغلوا بالمظاهر السطحية التي حدثت آنذاك دون أن ينتبهوا إلى أن الحاكم المدني السيد بريمر كان يجهّز المسرح لعصر حقيقي للحواسم، وأن "حواسم 2021" حولت العراق إلى مزرعة تذهب خيراتها إلى أصحاب الكراسي .