إياد الصالحي
كرّسَتْ اللجنة الأولمبية الدولية أهتمامها أثناء مراجعاتها الأخيرة لجميع قواعد ومبادئ ميثاقها الملتزم بتنظيم شؤون الرياضة في بلدان العالم المنضوية لها عبر اللجان الأولمبية الوطنية، على نقطتين أساسيّتين هُما الاخلاقيات والحوكمة، لحماية المنظّمات المعنيّة بإدارة الرياضة من أي تدخّل خارج حدود أعمالها، بما تُمكِّن الرياضيين من صناعة الإنجاز وممارسة أنشطتهم بحرية واستقلالية ومنافسة نظيفة.
وها هو العراق يكمل 19عاماً منذ أن دنّستْ الآلة الحربية للمحتل الأمريكي أرض بغداد وبقية مدنه في التاسع من نيسان عام 2003 بأهداف وسيناريوهات كلّما غاص الحدث في أعماق الزمن بتعاقب ذكراها ظهرت منه حقائق جديدة تُلقي بها صحوات الضمير على ضفاف أزمنة أخرى لا تُعد لها أية قيمة إلا من أكتوى بنيران المعارك وخسر وطنه كلّه وإن ربح الأرض!
ثمّة تناقض مُشخّص إبّان الديمقراطية الصورية، بين حرية العراقي في ممارسة انشطته - الرياضية - وبين الظُلم الذي يُعانيه أثر تسلّط ثلّة من قادة منظماته الراعية لألعابه والمسؤولة عن إداراتها على مفصلي المال والانتخاب، ولنا في مؤتمر منتجع دوكان الذي عُقد في 29 كانون الثاني عام 2004 مثالاً صارخاً لإرساء تقاليد تسمية المرشّحين لتولي المواقع بدءاً من الرئيس الأوحد (أحمد الحجية) إلى نائبيه حتى وإن كان أحدهم لم يُنتخب رئيساً لاتحاده (حسين سعيد) بذريعة الاستئناس برأي اللجنة المشرفة على الانتخابات (وما أدراك باللجان التي تستحقّ أن توثّق بعض قراراتها على ألسِنة المتضرّرين بالدلائل والشهود على مدى 19 عاماً) وإنتهاء بأعضاء مُتفق على منحهم الأصوات في الكواليس تحت عنواني حقوق المناطق و(أحباب الريس) أي بتعيين مُبطّن يُضفي الشرعية على الممارسة الحُرّة، وكلّهم رفعوا شعار الخلاص من سجون وإرهاب حقبة الأولمبية خلال النصف الثاني من عقد الثمانينيات لغاية شباط عام 2003 الذي عُلّقت فيه انشطتها دولياً، وإذا برئيسها الجديد يُغادر المشهد بعد سنتين ضمن قوائم ضحايا الإرهاب!
أما على صعيد المال، يكفي القول أنه عجز حتى مجلس الوزراء عن استحصال بيانات قراريه 60 عام 2019 المعدّل بـ 140 عام 2020 بخصوص إعادة تدقيق ملفات الرياضة المالية منذ عام 2004 لغاية 2020، وأكد وزير الرياضة السابق د.أحمد رياض للمدى في 12 تشرين الثاني عام 2020 أن (عمل الرقابة المالية أدّى الى اكتشاف خروقات لم تعالج منذ عام 2004 في ملفات مالية للجنة الأولمبية، الأمر الذي يستدعي سحب جميع الملفات وتسليمها الى لجنة مشتركة متخصّصة فنية وحسابية تعيد الرقابة عليها بالتفصيل) وأغلق الملف تماماً بتولي الوزير الحالي عدنان درجال، ولا يُعرف مصيره حتى الآن!
وبخلاف اختيار مجالس إدارات الرياضة التي تحوم حولها الشكوك من قبل أعضاء الهيئات العامة أنفسهم بعد إنتهاء كل دورة انتخابية وما يرافقها من مهازل التهديد والابتزاز ووعود الحَلْف بالمُصحَف الشريف مثلما عرضتها البرامج والصُحف تفصيلياً، فإن محور (انتهاك مدوّنة الأخلاق الرياضي) الذي تؤكّد عليه اللجنة الأولمبية الدولية لم ينل أهتماماً مستحقّاً يكشف عن مدى تورّط الرياضي في تجاوز الخط الأحمر فيه من عدمه، وظلّ المحور محطّ تعامل غير نزيه من قبل المسؤول الأعلى للمؤسّسة الرياضية، ففي الوقت الذي أمضى سرمد عبدالإله الأمين المالي السابق للجنة الأولمبية 11عاماً بعد توجيه محكمة إيرانية تهمة جنائية له، والرجل دافع عن نفسه بأنه تعرّض للابتزاز عن طريق النصب والاحتيال ولم يرتكب فعل (التحرّش الجنسي) حسب قوله، لماذا سكت تنفيذي الأولمبية طوال السنين الماضية باعتباره المسؤول الأول عن حماية الميثاق الدولي ولم يفتح ملف سرمد إلا عندما أصبح خصم الرئيس في انتخابات تشرين الثاني 2020؟
ثم الموضوع نفسه يمرّ به رئيس اتحاد كرة السلة د.حسين العميدي برفع عدد من أعضاء الهيئة العامة شكوى ضده لدى القضاء بتهمة خرقه المدوّنة، مطالبين بعدم استمراره في منصبه أو الاحتفاظ بعضوية العمومية للعبة، وهاتين القضيّتين تؤكّدان أنّ كل ما يجري في شؤون الرياضة قابل للتغطية على ملفات يؤخّر حسمها من أجل مصالح مشتركة سرعان ما يتمّ رفع التغطية عنها بانقطاع حبل الود!
آن الأوان لمن يبحث عن ربيع رياضي زاهر بالعلاقات المهنية أن يبدأ بنفسه ولا يمارس الإزدواجية في السلوك بانتخاب المسؤول عندما يرضيه بمهمة ليس جديراً وحده فيها أو يوفر له الدعم لإيفاد منتخبات اتحاده دون غيرها، أو يغمض عينه عن مادة قانونية تمنعه من الانتفاع بمزايا موقع ما، ثم يشنُّ حملات التسقيط والتحريض ضدّه حينما يخسر كل ما حصل عليه في فترة الدلال!
كلّ نيسان والرياضة العراقية تدفع ثمن الاحتلال بسلوكيات أخطر من كل محاذير المدوّنات الدولية!