المدى الثقافيعن دار بدايات صدرت مختارات شعرية للشاعر الدنماركي بيتر لاوغسن بعنوان (انه الخوف في الأعماق يلقي بظلال الأبجدية على الورق) قامت بترجمتها الروائية دنى غالي والتي استهلتها بمقدمة قالت فيها:
قرأتُ لاوغسن قبل أن أستمعَ له وهو يقرأ قصائدَه بصوته، وقبل أن استمعَ إليه بمصاحبة فرق الجاز التي رافقته في قراءاته أو حفلاته الشعرية الموسيقية إن جاز لنا أن نقول. تُناغم الموسيقى كلماتٍ مفرداتٍ منثورة، ما يجعل لصداها فعلا آخرَ ضمن الفضاء الموسيقي الذي تحلِّقُ فيه، غير ما للكلمةِ ذاتِها من معنى. ولأن تأثير "جيل البِيتْ" في الخمسينات يحتل مساحةً كبيرةً في شعره، نضيف إليها ثورة الشباب أواخر الستينات حيث بدأ كتاباته تحديدا، يمكننا أن نشعر بإيقاع الموسيقى يناغم الجُملَ التي قد تقف وحدها على يقين من فعلها كقصيدة كاملة، بينما استغربُ احتلالها لهذه المساحة الشاسعة على الورقة ضمن دواوينه المختلفة. ليس الكلمة والجملة، بل حتى الفراغات تستوقفنا، فراغات أكثر مما ألفناه، يقررها الشاعر، او هي تأتي هكذا، يتركُ لها أن تطمعَ إن أرادتْ، من دون أن يعارضَ أو يقومَ بفعلٍ ما كي يعدِلَ عنها (ذلك ما أفرزته كتابات ذاك الجيل، الكتابة المتدفقة بلا رقيب أو تحرير من بعدها)، فراغات بمثابةِ كلمات أو فرصِ استراحةٍ طويلةٍ ينبغي عليكَ أن تعمل ذهنكَ وحواسك خلالها لتترجمها، قبل انتقالك إلى التي بعدها، أو... خذْ وقتك! ولربما لن تجد خيطا يُنضِمُ الكلمات المتوالية بتلقائيةٍ وأحيانا بمباشرةٍ غير مطروقة ضمن الإطار الشعري الذي اعتدناه، كلمات قد انسابت من مخيلة الشاعر هكذا، بمنطق أبعد من أن نصله، أو تكون قد تدفقت لرنينها حسب بلغتها الأصلية. أو ولهاً، لممارسة اللغة لوحدها وعليه يتوجب علينا ان نقرأ شعر لاوغسن هنا بطريقة مخالفة. أضف اليها تقطيع النص فهو بعد آخر للقصيدة، يضاعف من صور قراءتها.أخيراً يترك لنا لاوغسن أن نقرأ الخفيّ خلف ما يظهر أمامنا، أن نقبض على الصوت المحبط القلق اللاواعي، وليس من الصعب عندما نقطع شوطا في قراءته ان نتلمسَ موقفَه الأخلاقي وأن يتجلى لنا خللَ رؤاه ذلك الهمّ الإنساني ساطعا حادا غير مهادن، ينشغل الشاعر به ويترصد من خلاله ما يدور كونيا، من اليومي، في تفاصيل الطبيعة وما تحاول قوله لنا، وانتهاءا بالنهج السياسي لأنظمة العالم السياسية.سنسمع لاوغسن يتغنى بصوت ضربات الأصابع على الآلة الطابعة- التي يستخدمها حتى يومنا هذا وسنجدها نبعاً استعارياً أساسياً في شعره. سندرك إنه يعيش ويتنفس الكتابةَ والحبر لديه كالدم. سيصلنا إيمانه الكامل بفعل الكلمة السحري، وما أكثر الإشارات والمجازات والاستعارات التي تكشف لنا عن تعدديةٍ وتنوعٍ في الثقافات التي ينهل منها، وبالوقت نفسه تؤكد صوتا شعريا نقيا متفردا. وهو صوت حاد مشاغب رافض متمرد منذ الستينات وإلى يومنا هذا، له مكانته الخاصة كشاعر مكرس داخل المشهد الأدبي الدنماركي، من الذين أسسوا لقصيدة مخالفة.ولد بيتر لاوغسن عام 1942 وهو شاعر وكاتب مسرحي وكاتب مقالة بالإضافة الى كونه من اهم المترجمين من اللغتين الفرنسية والانكليزية الى الدنماركية. تخرج من مدرسة كاتدرائية أورهوس طبّاعا. حصل على الجائزة الكبرى للأكاديمية الدنماركية عام 1992 وجائزة النقد عام 2003 وهو عضو في الأكاديمية الدنماركية منذ العام 1997. صاحبه في قراءاته العديد من الفرق الموسيقية وتم انتاج اكثر من قرص مدمج في هذا المجال. له مساهماته الواضحة في مجال الجدل الفكري والاجتماعي والسياسي. له ببليوغرافيا ضخمة ابتدأها في أول ديوان له في العام 1967 تحت عنوان "مناظر" وتجاوزت الان الستين كتابا في مجموع الكتب التي صدرت له. ومن أهم الأعمال التي قام بترجمتها وتعتبر ثالوث الأدب المعاصر والتي تطلب انجازها سنوات طوال هي "أزرار ناعمة" لجيرترود ستاينز، مختارات ضخمة ل انتونين آرتو، و " يقظة فينيغانس" ل جيمس جويس.Gertrude Steins Tender ButtonsFinnegans Wake James JoycesAntonin Artaud
بيتر لاوغسن والقصيدة المغايرة
نشر في: 28 يونيو, 2010: 05:52 م