باسم عبد الحميد حمودي ليس أمتع من السفر ومغادرة المدينة التي تحبها-ربما تكرهها- الى مكان آخر لفترة , ترّوح بها عن نفسك وتكتشف بشرا آخرين وحيوات أخرى , أبنية وجبالا وساحات وعادات وتصرفات بشر وحيوان , التعرف على زهورغير الورد الجوري والرازقي وحلق السبع وأشجار اخرى غير النخيل
واشجار الدفلى والتفاح والجوز ,والتعرف على نكهات اطعمة أخرى غير التشريب –ما ألذّه مع الباميا – وقيمر الصبح وجبن وشاي العصروالكباب ليلا أو تمن التاجينة مع اللبن وحساء الشجر الاصفر أو سواه ان تأمل واستذكار الصور والنكهات والدزاينات والتوهجات الخاصة والفريدة ل :دكاكين الورد المنصوبة على أرصفة شوارع تونس العاصمة ,وقلادات الازهار التي تبيعها الصبايا في مقهى الفيشاوي والمقاهي المجاورة لمسجد الحسين ( ع )في القاهرة , ,أطواق الرازقي في شارع العربي بن مهيدي بالجزائر, ومطاعم الاسماك الجميلة -بطابقين - على ساحل البحر المتوسط في كازا بلانكا , وسهرات صيد السمك الليلية على شاطئ رشيد في مدينة المنصورة , وجلسات السمرعلى ساحل البحر الميت , خصوصا مع العزيزة ( مي باسم ) وبنتيها ,( التي رحلت الى عالم الغرب وقد لا أراها مرة أخرى فهي حاضرة غائبة هذه الحبيبة , درة البنات أذهي امي وابنتي , تطفح حنانا وتزداد ابدا ),واسواق الكويت وجدة والرياض والدوحة والمنامة ومكة وسواها ... لكل سوق نكهته وتشكيلته المعمارية وحتى هدوء باعته .. سوق الصالحية يختلف في تفصيلاته عن سوق الحميدية وما يجاوره في دمشق . اسواق الموسكي وبين القصرين وخان الخليلي تختلف في تشكيلاتها وباعتها وموادها عن اسواق طلعت حرب وما يجاورها في القاهرة . هذا التامل لكل مدينةالمستند الى روح المدينة يجعل لها نكهة بل نكهات ,ولكل سوق تشكيلته المعمارية الخاصة ولكل طعام لذته الخاصة . السفر الاول أعلم أن الجملة السابقة كانت طويلة لكن سيل الذكريات يتداخل وتتدافع الصور على شاشة الذاكرة بشكل مؤلم , لكثرة التفاصيل ,لكن كل هذه الاستذكارات والتجارب لم تكن تتم لولا جواز السفر , وكان جواز السفر بالنسبة لي حتى عام1981 (عندما حصلت على أول جواز) , حلما تحقيقه عصي لاسباب كثيرة ابرزهاخوفي من الاستجوابات والتحقيقات ( المقتضية ) والغريبة لكني قبل ذلك كنت قد سافرت الى خارج العراق دون جواز سفر مرتين , مرة ولعدة ساعات الى أيران ومرة ثانية ولاسبوعين الى دمشق , كانت الرحلة الاولى الى أيران عن طريق حاج عمران عام 1957 خلال العطلة الصيفية , كنا مجموعة من طلبة الكليات نعسكر في منطقة ( زيوة ) في مخيم كشفي للرواد , حوالي الخمسين طالبا من كليات التجارة ودار المعلمين العالية والهندسة والطبية والزراعة , يقود معسكرنا الاستاذ محمود القيسي يساعده الفنان الحاج ناجي الراوي زعيم فرقة الزبانية وعدد من مدربي الفنون الكشفية. اتفق القيسي مع قومسيير الحدود العراقي على أن يسهّل أمر دخولنا الى مدينة (خانة ) وهي القضاء الايراني الاقرب لنا بالحصول علىموافقة قومسيير الحدود الايراني , وافق الرجل على أن نمضي في ( خانة) ساعتين لاأكثر وخلال النهار . تحركت في الصباح الباكر ثلاث سيارات عراقية من نوع الكومر العسكري وحملتنا في رحلة ممتعة ضمن سفوح المنطقة الجبلية الفاصلة بين البلدين , استمتعنا بالرحلة وجلنا في سوق خانة الرئيسي ووجدنا ودا وترحيبا بالغين , لكن العمل هو العمل ومن يشتري حاجة يدفع , استقبلنا رجال حامية تلك المنطقة الحدودية الايرانيةبالتحية بالبنادق عند دخولنا ساحة الحامية حيث تبودلت كلمات المجاملة بين القيسي وآمر المعسكر الايراني ونحن نتناول العصائر أو الشاي دون كثير اهتمام بما يقال , أذ كنا نكره اتفاق حلف بغدادالذي كان معقودا بين العراق وباكستان وايران وتركيا وبريطانيا ( حامية الحمى يومئذ ) والولايات ا لمتحدة الامريكية عضوا في السياق العسكري للحلف , وغادرنا الاراضي الايرانية عصرا , ونحن نشاهد الاطفال من اولاد وبنات فلاحي القرى على جانبي الحدود وهم قد أزدادوا فقراوسكينة بقدر ما أزداد الغضب في الشارع السياسي للبلدين.على ذكر ميثاق بغداد الشهير, فان ذلك الحلف أو الميثاق لم يكن الاول بين الدولتين الجارتين, أذ سبقه ( ميثاق سعد آباد ) الذي انعقد عام 1937 بين العراق وايران والمملكة الافغانية , وهو ميثاق تعاون بين تلك الدول في شؤون شتى ومنها مقاومة النشاط الشيوعي , وهو ذات المهمة الاولى لميثاق بغداد , والواضح ان هذه الدول – عدا بلاد الافغان الفقيرة اق
حياة ومدن وأصدقاء..اجتياز من دون جواز
نشر في: 28 يونيو, 2010: 05:56 م