ستار كاووش
مرَّت ثمانية وعشرين عاماً بالتمام والكمال لم أشاهد فيها التلفزيون العربي والعراقي. حدثَ ذلك بسبب إنشغالات الحياة وزحام الرسم والكثير من الإهتمامات التي بالكاد يتسع الوقت لها جميعاً.
أكادُ لا أعرف كل من من ظهر شاشات التلفزيون في السنوات الماضية، بإستثناء من أعرفه شخصياً أو ربطني به تواصل بعيداً عن التلفزيون، ورغم الحنين والرغبة أحياناً في رؤية ما يحدث في التلفزيونات العربية، لكن لم يحدث أن شاهدتَ شيئاً على هذه الشاشات، بإستثناء ما يظهر أمامي عابراً حين أكون في ضيافة صديق نَسيَ حينها تلفزيونه مفتوحاً. وهكذا مرَّت السنوات الطويلة وأنا أستمعُ للأغاني العربية من خلال الأشرطة أولاً، ثم جاء اليوتيوب وصرت أذهب مع هذا العالم لسماع أغاني تكون خلفية لأجواء المشغل وأنا أرسم، وهي عادة من الكلاسيكيات المصرية التي أتناغم معها لأن ذائقتي قد ترَّبَتْ عليها. لذا يمكنني القول بأني لا أعرف أي شيء تقريباً عن الفنانين الذين ظهروا في السنوات التي عشتها خارج العراق، وحين أُخبِرُ أختي بلقيس من خلال التلفون مثلاً بأن آخر ممثل أتذكره هو فريد شوقي، تدخل في نوبة ضحك تستمر خمسة دقائق. وأنا على هذا الحال كل هذه السنوات، حدثَ شيء غريب في الأسبوع الماضي، حيث كنتُ أتهيأ في بيتي شمال هولندا لتحضير بعض الأطباق السريعة مساءً في المطبخ كمستلزمات لجلسة نهاية الأسبوع، فسمعتُ -من بعيد- في التلفزيون صوت نسائي عربي يتحدث وكإنها مُقَدِّمَة برنامج عربي، فتركتُ ما بيدي وتَسَمَّرتُ في مكاني، لأفهم جيداً طبيعة الصوت الذي جاء من التلفزيون الذي يقبع في مقدمة البيت، فإذا بالمُقَدِّمَة تستمر في كلامها باللغة العربية وتتحدث عن أصوات المغنين الذين سيشاركون في الغناء، ركضت بسرعة، وإذا بزوجتي الهولندية أليس قد قامت بغفلة مني بربط التلفزيون على اليوتيوب، حيث بَحَثَتْ عن برنامج (ذا فويس) العربي، ليعلو الصوت العربي في صالة البيت شمال العالم، في البداية لم أستوعب المفاجئة، لكنها شرحت لي ضاحكة وهي مستمتعة بهلعي كيف إنها بحثت سراً عن شيء عربي بينما أنا منشغل بالمطبخ. أحضرنا الأطباق بسرعة ووضعناها على الطاولة مع بعض المستلزمات الأخرى وبدأنا نترقب البرناج العربي. مزيج غريب من المشاعر إنتابني في تلك اللحظات، فلِنُجَرِّبَ الأستماع للغناء العربي صوتاً وصورةً بعد كل هذه السنوات. صدح صوت مقدمة البرنامج مرة أخرى، وظهر كاظم الساهر في لجنة التحكيم أو فريق إختيار الأصوات، وبمحاذاته يجلس بعض النجوم العرب. وهكذا أعلنت مقدمة البرنامج عن إسم المتسابقة التي ستغني، فَعَلا التصفيق وهمهمات الجمهور. لتطل فتاة جميلة مبتسمة وتصدح عالياً بأغنية باللغة الإنجليزية، مضت تُغني بتوقيتات ليس منسجمة بما فيه الكفاية، وكلما تصرخ أكثر يذهب صوتها للمكان الخطأ أكثر، وأعضاء اللجنة بدأوا ينظرون الى بعضهم بتوجس، ليستدير أحدهم في النهاية، لإختيارها ضمن فريقه. قلتُ لنفسي: عليَّ أن أتجلد قليلاً، وهي بكل الأحوال مجرد أغنية واحدة من البرنامج، وسنبدأ الأغنية التالية وسنسمع غناءً عربياً حقيقياً وأصيلاً، وأنا أنظر الى زوجتي محاولاً عدم التقليل من شأن مبادرتها العظيمة. وهنا أُعلِنَ عن المتسابق الثاني، فظهر شاب يافع وجميل وتقدم على خشبة المسرح متهيئاً للغناء، فقلتُ لزوجتي (هذا الشاب يبدو رائعاً، أنا متأكد بأنه سيغني شيئاً جميلاً، وربما سأتذكرُ معه كلمات الأغنية التي سيغنيها، منْ يدري؟) ولم أكد أُنهي كلماتي حتى صاح الشاب وكإنه يستغيث بأحد معارفه، مغنياً أغنية إنجليزية أيضاً! في الحقيقة كان يصرخ أكثر مما يغني. عندها نَظَرَتْ زوجتي نحوي، وقبلَ أن تنبسَ بأية كلمة. قلتُ لها (إرجعي التلفزيون على أية قناة هولندية رجاءً).