طالب عبد العزيز
كشفت الحرب في اوكرينيا عن خيبة كبيرة في فهمنا للديمقراطية الغربية، حتى بتنا نقول بأنَّ الانظمة الملكية أو الملكية الدستورية والانظمة(غير الديمقراطية) بعامة بما فيها الدكتاتوريات ربما تكون أفضل في صناعة الحياة، على الرغم من مساوئها العديدة، وأيُّ وعيٍّ شعبيِّ مجرّدٍ، ومصرّح به، في العراق اليوم يكشف لنا عن حقيقة ما جرى بعد ربيع 2003 سيعلمنا بأننا ذهبنا في الاتجاه الخاطئ، وأنَّ ديمقراطية أمريكا أكبر خدعة تعرض لها الشعب، بعد خدعة اسلحة الدمار الشامل، التي تكشفت أخيراً.
مع كراهيتي لنظام صدام حسين إلا أنني اخشى أنْ تكشف القراءات الدقيقة عن حقيقة ما كنّا عليه وما صرنا اليه، إلا أنني أرى بأن الخوف من التنكيل أسهم بتأخير صمت الباحثين والدارسين ونقاد السياسة في فتح ملف النظام الديمقراطي الحالي، وعدم الرغبة في المكاشفة والمجاهرة، وقول كل شيء، والقول بأننا إنما إنتقلنا من النظام بقسوته الى الفوضى بقبحها، ليس أكثر. فيما الحقيقة تقول: قد لا تطال يد السلطة الدكتاتورية حياة المواطن البسيط بشكل مباشر، لكنَّ يد الفوضى في النظام الحالي باتت تطال كل حياته.
يجمع العراقيون، شفيعهم ووضيعهم على أنَّ الديمقراطية في العراق هي الاسوأ في العالم، بل من العيب تسميتها (ديمقراطية) فالفضاء السياسي العام قبل وبعد ربيع 2003 لم ينتج سوى الفوضى المؤطرة بدستور أرتجل، وكتب بأهواء سياسية ودينية، ولا علاقة لما يجري في العراق من الانتخابات بالديمقراطية، بعد أن صار الدستور يفسَّر على وفق المتغير السياسي. إذ ليس من الديمقراطية بشيء تمتع جهة معينة بكامل حريتها، وحجب الحرية عن عموم الناس، وليس من الديمقراطية بشيء أن تمتلك سلطة تفوق سلطة القضاء، وتمنح نفسك حق القتل والأخذ والعطاء.
من يفصل بين السياسي الفاسد والخائن والقاتل والسياسي الأمين والوطني والمسالم؟ في بلاد كل ما فيها متطرف، ويتشدد الناس فيها بكل شيء، وكل ذاهب للانتخابات يفكر بمرشحه الذي سيجد له فرصة العمل أو فرصة السرقة أو فرصة القتل !! كل بحسب اختياره وثمنه، والفوضى التي أنتجت هؤلاء هي ذاتها التي ضاعفت عدد رجال الدين وجعلت من الدين مساحة متاحة لقول كل شيء، بما فيها القتل والطرد والهدم، وما يحدث في الاوساط الدينية لا يقل ضرراً عن ما يحدث في اروقة السياسة، فهذا يستخدم الدستور والقانون بحسب مشيئته، ضد خصومه، وذاك يستخدم الشريعة والفقه بحسب مشيئته ضد خصومه، والنتيجة اتساع محيط الفوضى، وبسط يد أبطالها وليحدث الذي نعاني منه جميعاً.
ضعف مؤسسات الدولة سلّط بعضُنا على بعضنا، فهي تذهب مع القوي، وتستقوي به، وتنكل بالضعيف لترضي الاخر القوي(حليفها) غير معنية بموقف معين من هذا وذاك، ورأينا كيف يتبدل الولاء وكيف يتغير الاستقواء، فلا موقف من الحليف، وطنيا كان أو غير ذلك، فالكل حليف، إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، والكل خصوم إذا كانت امتلكت القوة وتمكنت من القهر، وهكذا. تطرف يقود الى تطرف، وتشدد ينتج تشدداً وما على المواطن البسيط إلا تلقي ذلك كله.
لا غرابة في ما رشح عن جماعة الصرخي من دعاوى وتطرف ضد المراقد الدينية، فالفضاء العراقي أتاح له وما زال يتيح له ولغيره ما هو أقبح وأكثر قبحاً من ذلك. وهذه نتيجة فعلية لديمقراطية ما بعد 2003 ولضعف مؤسسات الدولة، وهيمنة منطق القوة على منطق العقل، وما يحدث في السياسة لا يختلف عما يحدث في أروقة المجمعات الدينية، بل وفي مفاصل مجتمعنا ايضاً، فما معنى فوضى العشائر، التي نشاهد احترابها بين آونة وأخرى، وما معنى سيطرة فريق مسلح على مؤسسة حكومية؟