ثائر صالح
عاشت الكونتيسة الكرواتية 37 سنة فقط لكنها تعد اليوم بين أهم المؤلفين الموسيقيين الكرواتيين.
ولدت ماريا تيودورا باولينا پَـیاچَـڤیچ المعروفة باسم دورا پَـیاچَـڤیچ Dora Pejačević في بودابست سنة 1885 في عائلة ارستقراطية كرواتية سلاڤونية من جهة الأب ومجرية من جهة الأم، الأب تيودور پَـیاچَـڤیچ هو بان (لقب حكام كرواتيا أو مقاطعاتها) من بلاط هابسبورغ الإمبراطوري والملكي والام البارونة أرزيبت ڤـاي من وصيفات البلاط، وكانت عازفة بيانو ماهرة ومغنية قديرة ورسامة في نفس الوقت، وهي التي أعطت ابنتها أول دروس البيانو وهي طفلة. كانت كرواتيا وقتها تابعة لمملكة المجر ضمن الإمبراطورية النمساوية المجرية. والعلاقة بين البلدين تاريخية، تمتد لأكثر من ألف عام.
كتبت دورا پَـیاچَـڤیچ أول أعمالها الموسيقية في سن الثانية عشرة، وانتقلت العائلة إلى زاغرب حيث تعلمت دورا عند أفضل الموسيقيين هناك مثل سيريل يونك ودراكوتين كايسر وڤاسلاڤ هومل. ثم درست في ألمانيا في دريسدن وميونخ عند أساتذة خصوصيين. هذا يعني أنها اعتمدت على جهودها الفردية في تعلم العلوم الموسيقية، وصقلت لنفسها اسلوباً موسيقياً خاصاً بها ضمن تيار الرومانتيكية المتأخرة بالإستفادة من علاقاتها الاجتماعية مع خيرة فناني عصرها، بينهم راينر ماريا ريلكه الشاعر النمساوي الكبير الذي لحنت بعض أشعاره. فالدراسة الخصوصية تختلف كثيراً عن الدراسة في المعاهد الموسيقية، وهي غير كافية على العموم للوصول إلى ما وصلته المؤلفة في اسلوبها من ابتكار وبريق وأناقة وقيمة فنية راقية.
أول عمل اوركسترالي كتبته كان كونشرتو البيانو (1913) بذلك دخلت التاريخ الكرواتي بصفتها أول مؤلف كرواتي يكتب كونشرتو للبيانو، بعد أن اقتصرت أعمالها السابقة على أعمال البيانو والأغاني بمصاحبة البيانو أو سوناتات الكمان والبيانو. عند اندلاع الحرب العالمية الاولى تطوعت كممرضة لعلاج جرحى الحرب الوافدين إلى قريتها الصغيرة ناشيتسه (في سلافونيا في شرقي كرواتيا)، وكان هذا أحد اسباب انهماكها في التأليف الموسيقي هرباً من بشاعة الحرب، فألفت سيمفونيتها الوحيدة في فا دييز الصغير (عمل رقم 41، 1916/1917). كانت تلك الفترة نقطة تحول في حياتها، فأخذت تنظر إلى تصرف أفراد طبقتها الأرستقراطية بنقد حاد «لا أستطيع فهم كيف يستطيع الناس العيش من دون عمل – والكثير منهم يفعل ذلك خاصة من بين الأرستقراطيين ... أحتقرهم لهذا السبب بالذات»، وكانت تحتقر أبناء طبقتها الذين تناسوا آلام وتعاسة الحرب، ولم ينفعلوا إلا عندما تعرضت مصالحهم إلى الخطر: «لا أستطيع التماثل مع أفراد طبقتي». ربما كان هذا التحول وراء اقترانها في 1921 بضابط نمساوي من صغار الارستقراطيين يصغرها بسبع سنوات رغم معارضة أهلها، واستقرت معه في ميونيخ.
كانت أعمالها تقدم في العديد من المدن الأوروبية مثل ستوكهولم وفيينا ولندن وبودابست ودريسدن وميونخ أثناء حياتها، لكن الاهتمام بها خفت بعد وفاتها المأساوية المبكرة في 5 آذار 1923 بعد فترة وجيزة من ولادة ابنها. هناك اهتمام كبير بأعمالها في بلدها وفي بريطانيا اليوم، حيث يتكرر تقديم أعمالها في القناة الثالثة.