عبد المنعم الأعسم
من الطبيعي ان ينشغل الكتاب والباحثون والسياسيون والمخططون الستراتيجيون في تأمل ظاهرة داعش، وتأشير مصادر قوتها، وحقيقة ايديولوجيتها وفكرها الحركي والعسكري، وقيادتها، وحلفائها، وخلاياها النائمة، وكل ذلك ما يدخل في شروط ومقومات الحرب التي تُشن عليها من على ارض العراق، بخاصة، وتحارب في مختلف دول العالم في وسائل متنوعة، وضمن قواعد حرب العصابات وحروب الاستخبارات والاختراقات والدعاية والعلاقات بالاضافة الى الكر والفر في اقنية.
وبالمرور السريع بطائفة من وجهات النظر يكتشف المحلل، للوهلة الاولى، ان هناك اضطرابا في وحدة التأويل، بين المبالغة في متانة وديناميكية تنظيم ما يسمى بالدولة (الخلافة) الاسلامية، و"عبقرية" قيادتها وزعيمها الجديد ابو الحسن القرشي، وبين التقليل من شأن عناصر القوة لهذه الظاهرة وردّها الى جهات استخبارية دولية واقليمية، ولحاضنات محلية متنفذة على الارض ولها خبرات عسكرية مؤكدة.
وإذْ ينبغي الاقرار بان التأويل الواقعي، السليم، للظاهرة الداعشية ليس سهلا، ولا يخضع للمنطق الرياضي في حساب القوى، فان ثمة مصادر للبحث يمكن ان تقربنا من الحقيقة، وتكشف لنا بعض ما بقي خافيا في صناعة الارهاب وزعاماته، وبخاصة تلك المصادر التي تعود الى اشخاص من داخل البيئة الجهادية ذات العلاقة بتنظيم القاعدة الأم، واحسب ان كتاب "فقه الدماء" لمؤلفه المصري "أبوعبدالله المهاجر" ويقع في 600 صفحة، كان، بحسب مدونات المواقع الاسلامية المتطرفة، الأساس الفقهي المعتمد، ودليل العمل والنهج بالنسبة لقائد الجماعة الارهابية التكفيرية الجديد وجماعته ومن سار ويسير على نهجه، ويستطيع اي قارئ متمعن في الكتاب ان يستخلص انه التدوين الاساس للمنطلقات الفقهية والتكفيرية لحركة داعش، ومعظم ما يخطر في البال من أحكامٍ اعتمدتها وتعتمدها هذه الحركة بما فيها وصفة الصلالة الخاصة بالخلافة التي جاء بها المؤسس الزرقاوي ثم البغدادي، واعلن الاخير نفسه خلالها خليفة للدولة.
ثم علينا ان نمعن النظر في استمرار الصناعة التكفيرية لمشروع داعش ويجري ترجمتها في التطبيق العملي الى توحش تجاوز موصوفات الحذر والمراجعة، وقبل ذلك ان نعيد التأمل في شخصية الملهم مؤلف "فقه الدم" الذي كان قد تلقى العلوم الشرعية في باكستان، ودرس وأكمل فيها الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، ودرَّس في معاهد القاعدة إبان إمارة طالبان في أفغانستان، ثم نأى في السنوات الاخيرة عن ساحة "العمل الجهادي" والحال، لا يصح بناء منظومة حرب ضد داعش قبل اعادة بناء المنظور الى مكونات القوة التي قامت عليها، وأمارات الضعف التي تلوح عليها.. مع الحذر من ان الضعيف قد يكون مسعورا اكثر من غيره، في حالة داعش وفي حالات اخرى.
استدراك:
"لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى، بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه"
العقاد